40

الخامس، وهو مؤتلف من مقدّمتين:

المقدّمة الاُولى: أنّ النقيضين في رتبة واحدة؛ لأنّ النقيض بديل لنقيضه، والبديل يجب أن يحلّ محلّ مُبدَله ويأخذ رتبته.

والمقدّمة الثانية: أنّ المقارن للمتقدّم متقدّم، والمقارن للمساوي مساو، والمقارن للمتأخّر متأخّر، كلّ ذلك قضايا قياساتها معها.

فبناءً على هاتين المقدّمتين نقول: إنّ عدم البياض في رتبة البياض بحكم المقدّمة الاُولى، فإذا كان عدم البياض مقدّماً على السواد ـ لأجل مقدّميّة عدم أحد الضدّين لضدّه ـ لكان البياض مقدّماً على السواد؛ لأنّ ما مع المتقدّم متقدّم بحكم المقدّمة الثانية. وبنفس البيان أيضاً نثبت أنّ السواد مقدّم على البياض؛ لأنّ السواد في رتبة عدم السواد الذي هو مقدّم على البياض، فلزم أن يكون كلّ من السواد والبياض مقدّماً على الآخر، وهذا تهافت غير معقول. هذا ما يستفاد من كلام المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله).

وقد اتّضح بهذا البيان: أنّه لا حاجة إلى فرض وجدان أو برهان يدلّ على أنّ الضدّين في رتبة واحدة ـ كما يظهر من كلام السيّد الاُستاذ دامت بركاته ـ بأن يقال مثلا: إنّ النقيضين في رتبة واحدة، والضدّين أيضاً في رتبة واحدة، فعدم البياض في رتبة البياض، والبياض في رتبة السواد، فصار عدم البياض في رتبة السواد؛ لأنّ مانع المساوي مساو، فلا يعقل أن يكون مقدّماً عليه(1).

 


(1) عبارة السيّد الخوئيّ(رحمه الله) ـ المنقولة في المحاضرات، ج 3، ص 21 بحسب طبعة مطبعة النجف ـ تشعر بأنّ تفسير اُستاذه الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) لعبارة اُستاذه صاحب الكفاية يعني: أنّ الضدّين في رتبة واحدة، والنقيضين أيضاً في رتبة واحدة، فنقيض أحد

41



الضدّين في رتبة الضدّ الآخر، بناءً على قياس المساواة، وهو: أنّ مانع المقارن مقارن.

ولكن ما طرحه اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) هنا يعني: أنّ تفسير الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) لا يشتمل على افتراض كون الضدّين في رتبة واحدة، بل يكتفى بدعوى كون النقيضين في رتبة واحدة مع قياس المساواة؛ لأنّ نقيض أحد الضدّين إن كان في رتبة الضدّ لزم تقدّم كلّ من الضدّين على ضدّه بناءً على قاعدة المساواة، لأنّ نقيض كلّ واحد منهما مقدّم على الآخر بحسب رأي القائل بمقدّميّة عدم الضدّ، فكلّ واحد منهما مقدّم على الآخر؛ لمساواته في الرتبة مع نقيضه.

أقول: أصل عدم الحاجة في المقام إلى افتراض كون الضدّين في رتبة واحدة وإن كان صحيحاً ـ كما أوضحه اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) ـ ولكن عبارة الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) ـ في نهاية الدراية وفي تعليقه على نهاية الدراية وفي كتاب الاُصول على النهج الحديث ـ ظاهرة فيما يبدو أنّ السيّد الخوئيّ(رحمه الله) فهمه من عبارته، بإضافة نكتة احتمال أن يكون المقصود بوحدة الرتبة: مجرّد المعنى السلبيّ، أي: عدم التقدّم والتأخّر، واحتمال أن يكون المقصود: المعنى الإيجابيّ، أي: التقارن، فقد صرّح بالاحتمالين في تعليقه على نهاية الدراية، ولكن صرّح بتعيين الاحتمال الأوّل، أي: مجرّد نفي التقدّم والتأخّر في الاُصول على النهج الحديث.

ثُمّ إنّه يوجد في عبارة الكفاية احتمال آخر غير التفسير الذي مضى عن السيّد الخوئيّ(رحمه الله) لعبارة الكفاية في البرهان الخامس، من الاستفادة من نكتة استحالة اجتماع الضدّين وارتفاع النقيضين في عالم الرُتَب، كما في عالم الخارج، وغير التفسير الذي عرفته هنا من الاستفادة من نكتة قياس المساواة، وهو الاستفادة من نكتة أنّ كمال الملائمة الموجود بين الضدّ ونقيض ضدّه دليل على أنّهما في مرتبة واحدة، أو على أنّهما

42

فإنّنا إذا آمنّا بكون النقيضين في رتبة واحدة، وآمنّا بأنّ ما مع المساوي أو المتقدّم أو المتأخّر مساو أو متقدّم أو متأخّر، تمّ البرهان بلا حاجة إلى فرض كون الضدّين في مرتبة واحدة.

وعلى أيّ حال فيرد على هذا البرهان إيرادان:

الأوّل: أنّ كون نقيض الشيء بديلا عن الشيء لا يعني كونه في رتبته، فإنّ نقيض الشيء بديل عنه، يحلّ محلّه بحسب لوح الواقع، دون لوح الرتبة أو الزمان أو المكان، فإنّ الشيء المقيّد برتبة أو زمان أو مكان، نقيضه عدم المقيّد بذلك القيد



ليسا في رتبتين.

وقد نفى الشيخ الإصفهانيّ(رحمه الله) هذا الاحتمال في تعليقه على نهاية الدراية وفي الاُصول على النهج الحديث؛ بوضوح أنّ كمال الملائمة لا يدلّ على وحدة الرُتَب أو عدم تعدّدها، فإنّ المعلول والعلّة لا شكّ فيما بينهما من كمال الملائمة، مع وضوح تعدّد الرتبتين فيهما. راجع لكلّ هذه الاُمور نهاية الدراية، ج 2، ص 180 مع ما تحت الخطّ من تعليقه على نهاية الدراية بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، والاُصول على النهج الحديث، ص 85 ـ 86 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

ويوجد في عبارة الكفاية احتمال رابع، وهو: أن لا يكون مقصوده أصلا البرهنة على عدم مقدّميّة عدم الضدّ لضدّه، بل يكون مقصوده إبطال برهان الخصم القائل بأنّ المضادّة والمعاندة بين الوجودين تقتضي الممانعة بينهما، وعدم المانع يعتبر من المقدّمات، فأجاب على ذلك بأن المضادّة والمعاندة والمنافرة بين شيئين لا تقتضي إلاّ عدم الاجتماع، ولا تبرهن على الممانعة، وبما أنّ الضدّ مع عدم ضدّه لا تنافي بينهما، بل بينهما كمال الملائمة أمكن اجتماع أحد الضدّين مع عدم الضدّ الآخر، من دون أن يلزم من ذلك التوقّف وتعدّد الرتبة، فبالإمكان أن يكونا في رتبة واحدة.

43

لا العدم المقيّد به، فالقيام في بيت زيد ـ مثلا ـ نقيضه عدم هذا القيام، لا العدم المقيّد بكونه في بيت زيد، وإلاّ لأمكن ارتفاعهما بعدم البيت رأساً.

الثاني: أنّه ماذا يقصد بالمقارنة في قوله: إنّ مقارن المتقدّم أو المساوي أو المتأخّر متقدّم أو مساو أو متأخّر؟ هل يقصد بذلك: التقارن بالمعنى السلبيّ، أعني: عدم كون أحدها علّة للآخر ومقدّماً عليه، ولا معلولا له ومتأخّراً عنه؟ أو يقصد به: التقارن بالمعنى الإيجابيّ، أعني: كونهما معلولين لعلّة واحدة؟

فإن قصد الأوّل، فصحيح أنّ نقيض أحد الضدّين مقارن لنقيضه وفي رتبته ـ لأنّ أحد النقيضين لا يعقل أن يكون علّة أو معلولا لنقيضه ـ ولكن لا يلزم من عدم تقدّم شيء على آخر وعدم تأخّره، أنّه إذا كان أحد الشيئين مقدّماً على شيء ثالث كان الشيء الآخر أيضاً كذلك؛ فإنّ ملاك تقدّم أحد الشيئين على شيء ثالث هو كونه علّة له مثلا، بينما ليس من اللازم أن يكون الشيء الآخر أيضاً علّة له(1).

وإن قصد الثاني ورد عليه: أنّ النقيضين يستحيل أن يكونا في رتبة واحدة بهذا المعنى؛ فإنّ النقيضين لا يمكن أن يكونا معلولين لشيء واحد.

مضافاً إلى أنّه لو فرض إمكان ذلك فمجرّد كون شيئين معلولين لعلّة واحدة، لا يقتضي أن يتقدّم أحدهما على ما يتقدّم عليه الآخر؛ إذ لو كان أحدهما علّة لشيء لم يلزم أن يكون الآخر أيضاً علّة له، حتّى يكون مقدّماً عليه، كما تقدّم ذاك عليه. نعم، في التقدّم والتأخّر الزمانيّ يصحّ القول بأنّ المقارن للمتقدّم متقدّم، فإذا كان زيد متقدّماً علينا ـ لكون وجوده قبل الف سنة ـ وكان عمروٌ مقارناً لزيد، كان عمرو أيضاً متقدّماً علينا، لا لأنّه مقارن لزيد، بل لنفس النكتة التي بها صار زيد متقدّماً علينا، وهي وجوده قبل الف سنة. أمّا في التقدّم الرتبيّ فلا يلزم كون نكتة


(1) بل في النقيضين هذا غير معقول.

44

تقدّم أحد المتقارنين على شيء ـ وهي العلّيّة ـ ثابتة في مقارنه، كما أوضح ذلك أيضاً الحكماء، وإن كان قد يتراءى من عبارة الشيخ الرئيس صحّة قاعدة: ما مع المتقدّم متقدّم في عالم الرُتَب.

هذه هي ما قيل أو يمكن أن يقال من البراهين على عدم مقدّميّة ترك أحد الضدّين للضدّ الآخر، وقد صحّ منها عدّة براهين، وهي: البرهان الأوّل والثاني والثالث والسادس والسابع.

 

الكلام في التفصيل بين الضدّ الموجود والضدّ المفقود:

بقي هنا تفصيل، وهو: التفصيل بين الضدّ الموجود والضدّ المفقود، فيقال: إنّ الضدّ الموجود يكون عدم بقائه مقدّمة لحدوث الضدّ الآخر، ولكن ليس عدم حدوث الضدّ المعدوم مقدّمة لضده.

وهذا لا يرد عليه برهان الدور، سواءً كان بصياغته المشهورة، أو بصياغة برهاننا الثاني، كما هو واضح.

نعم، يرد عليه البرهان الثالث والسابع، حيث يقال: إنّه في ظرف بقاء الضدّ الموجود بما هو كذلك، يكون حدوث الضدّ المعدوم مستحيلا بالذات، فلا يعقل كون هذا البقاء علّة لعدم حدوثه. أو يقال: إنّه في مورد الضدّين اللذين لا ثالث لهما يكون ثبوت أحد الضدّين ضروريّاً في ظرف انعدام ما وجد من الضدّ الآخر، ولم تبق فيه جهة إمكان حتّى يبدّل إلى الوجوب بسبب عدم هذا الضدّ.

وأمّا البرهان الأوّل الذي حاصله هو: أنّ وجود الضدّ يكون في طول مقتضيه، وذلك المقتضي قد منع سابقاً عن وجود الضدّ الآخر، فلا تصل النوبة إلى منع هذا الضدّ عن ذلك، فجريانه في المقام مبنيّ على القول بأنّ بقاء الشيء ـ كحدوثه ـ يحتاج إلى مقتض، فيقال أيضاً: إنّ بقاء الضدّ الموجود يكون في طول مقتضيه

45

الذي قد منع الضدّ الآخر عن الوجود، فلا يبقى مجال لمانعيّة بقاء هذا الضدّ.

أمّا إذا قلنا بإمكان خلوّ البقاء من المقتضي، وأنّه ليس كالحدوث، فالبرهان الأوّل لا يأتي هنا؛ لأنّ بقاء هذا الضدّ لا يحتاج إلى مقتض حتّى يقال: إنّ ذاك المقتضي قد منع سابقاً عن وجود الضدّ الآخر. فالبرهان الأوّل إذا اُريد إسراؤه إلى المقام يجب أن تضمّ إليه مسألة: أنّ البقاء كالحدوث في الاحتياج إلى العلّة.

 

الضدّ البديل والضدّ التوأم:

بقي في المقام شيء، وهو: أنّ مقدّميّة عدم أحد الضدّين للآخر إذا فُرضت على أساس مانعيّة وجود أحدهما عن الآخر، بأن فُرض وجود السواد مثلا مانعاً عن البياض، فهنا يأتي تشقيقٌ؛ وذلك لأنّ وجود البياض مثلا يمكن أن تُفرض له حصّتان:

1 ـ وجوده بديلا عن السواد.

2 ـ وجوده التوأم مع السواد.

والمدّعى: أنّ السواد حينما يوجد تكون مانعيّته عن كلّ من الحصّتين محالا، وأغلب البراهين التي اخترناها تبطل كلتا المانعيّتين، فمثلا كنّا نقول في البرهان الثالث: إنّه في ظرف وجود السواد يكون البياض مستحيلا بالذات، فلا معنى لمنع السواد عنه، وهذا ـ كماترى ـ يشمل كلتا حصّتي البياض؛ فإنّ كلتيهما مستحيلة بالذات عند وجود السواد، بنفس القرائن التي ذكرناها في البرهان الثالث.

ولكنّ البرهان الأوّل لا يبطل إلاّ الشقّ الأوّل؛ فإنّ خلاصة ذلك البرهان هي: أنّ وجود السواد في طول وجود مقتضيه، ومقتضيه يمنع عن البياض، فلا تصل النوبة إلى مانعيّة السواد عنه. وهنا نقول: إنّ مقتضي السواد لا شكّ أنّه يمنع عن وجود البياض البديل عن السواد، أمّا وجود البياض التوأم مع السواد فإنّما يثبت

46

بهذا البرهان عدم منع السواد عنه لو ثبت أنّ مقتضي البياض يمنع عنه سابقاً، ولكن منع مقتضي البياض عنه إنّما هو في طول استحالة اجتماع السواد والبياض؛ لأنّ مقتضي السواد إنّما يتضايق عن وجود البياض؛ لأنّه يرى أنّ البياض يزاحم السواد، وإذا حلّ في المكان حلّ كبديل عمّا يقتضيه هذا المقتضي.

أمّا لو فرض محالا أنّ الضدّين يمكن اجتماعهما، وأنّ البياض إذا حلّ في المكان يحلّ توأماً مع السواد، فمقتضي السواد لا يوجد لديه مانع(1) عن حصول البياض الذي هو ضدّ للسواد، وإنّما غاية همّه إيجاد السواد. وعليه فلابدّ من فرض استحالة اجتماع الضدّين في المرتبة السابقة على مانعيّة مقتضي السواد عن البياض، وهذه الاستحالة التي يجب ثبوتها في المرتبة السابقة، أمرها مردّد بين ما ينسجم مع مدّعانا، وهو كونها استحالة ذاتيّة، وما ينسجم مع مدّعى الخصم، وهو كونها استحالةٌ بملاك كون أحد الضدّين مانعاً عن الضدّ الآخر، إذن فهذا النوع من المانعيّة يجب أن يبطل ببيان آخر، كاستلزامها للدور أو غير ذلك(2).

 


(1) ينبغي ذكر هذا بعنوان الاحتمال؛ إذ لا برهان ولا وجدان على طبقه.

(2) لا يخفى: أنّ هذه الملاحظة إنّما تأتي على ما مضى من البرهان الأوّل، ببيانه الثاني الماضي، لا ببيانه الأوّل.

47

 

اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه العامّ

البحث الثاني: في اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه العامّ وعدمه.

والكلام تارة: يقع بلحاظ عالم الجعل والحكم، واُخرى: بلحاظ عالم مبادئ الحكم من الحبّ والبغض. وعلى أيّ حال فهذا الاقتضاء قد يفرض بنحو العينيّة، واُخرى بنحو الجزئيّة، وثالثة بنحو الالتزام.

أمّا بلحاظ عالم الجعل والحكم، فالصحيح أنّه لا يوجد اقتضاءٌ بنحو العينيّة.

وطبعاً ليس البحث عن العينيّة وعدمها بحثاً لغويّاً عن أنّ (صلّ) و(لا تترك الصلاة) مثلا هل يعطيان لغةً معنىً واحداً أو لا؛ فإنّنا لسنا نتكلّم عن مرحلة الإبراز اللغويّ، وأنّ الأمر بالصلاة مثلا هل يمكن إبرازه من الناحية اللغويّة بلسان (لا تترك الصلاة) أو لا، وإنّما نتكلّم بحسب مرحلة الجعل ومرحلة المبادئ كما قلنا.

والآن كلامنا في مرحلة الجعل، والعينيّة في هذه المرحلة إنّما تتمّ لو قلنا: إنّ النهي عن شيء معناه طلب نقيضه، وإنّ الوجود نقيض للعدم، إذن فالأمر بالصلاة هو عين النهي عن عدم الصلاة؛ لأنّ الأمر بالصلاة طلب لنقيض ترك الصلاة، ولكنّ الصحيح ـ كما سوف يأتي إن شاء الله في بحث النواهي ـ أنّ النهي هو إنشاء نسبة زجريّة بين الفعل والفاعل، كما أنّ الأمر إنشاء نسبة إرساليّة بين الفعل والفاعل، فطرف النسبة في كليهما هو نفس الفعل، وإنّما الفرق بين نفس النسبتين، حيث إنّ إحداهما إرساليّة، والاُخرى زجريّة، فليس الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه.

وأمّا دعوى الجزئيّة والتضمّن فالذي ينبغي أن يقال في تقريبها هو: أنّ جعل الوجوب ليس عبارة عن مجرّد اعتبار طلب الفعل، وإلاّ فالاستحباب أيضاً فيه طلب للفعل، وإنّما هو عبارة عن اعتبار طلب الفعل مع اعتبار المنع من الترك، وبه

48

يختلف عن الاستحباب؛ إذ لا يوجد فيه منع من الترك، إذن فالمنع من الترك جزءٌ من جعل الوجوب.

ولا يرد على هذا التقريب إشكال السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ(1) بأنّ الوجوب أمر اعتباريّ، والاعتبار أمر بسيط، فلا يمكن فرض تركيبه.

فإنّ هذا الكلام ـ كما ترى ـ أجنبيّ عن ذاك التقريب؛ فإنّ كون الاعتبار أمراً بسيطاً هو كلام للحكماء يراد به البساطة بمعنى عدم تركّب كلّ فرد من أفراد الاعتبار من الجنس والفصل أو المادّة والصورة. والتركّب المدّعى للوجوب ـ في التقريب الذي ذكرناه ـ عبارة عن كون الوجوب مركّباً من اعتبارين، وهذا لا ينافي أن يكون كلّ فرد منهما بسيطاً غير مركّب من جنس وفصل أو مادّة وصورة.

والذي ينبغي أن يقال ـ في إبطال هذا التقريب ـ هو: أنّه إذا كان طلب الفعل منقسماً إلى قسمين: طلب إلزاميّ، وطلب غير إلزاميّ، فالمنع من الترك أيضاً منقسم إلى قسمين: منع إلزاميّ ومنع غير إلزاميّ، فما هو المنع الذي فرض جزءاً من الوجوب؟! إن كان ذاك عبارة عن مطلق المنع الشامل للمنع غير الإلزاميّ، لم يتكوّن الوجوب من ذلك، فإنّ طلب الفعل مع المنع غير الإلزاميّ عن الترك ليس وجوباً، بل هو استحباب. وإن كان ذاك عبارة عن المنع الإلزاميّ قلنا: كيف صار هذا المنع إلزاميّاً؟! فلئن كان إلزاميّاً بنفسه من دون تركيب، فليكن طلب الفعل في الوجوب إلزاميّاً بنفسه من دون تركيب. ولو كان لابدّ من القول بالتركيب فالأولى أن يقال: إنّ الوجوب مركّب من طلب الفعل مع عدم الترخيص في الترك، لا طلب الفعل مع المنع من الترك.


(1) راجع المحاضرات للفيّاض، ج 3، ص 48 بحسب طبعة مطبعة النجف.

49

وأمّا دعوى الاستلزام فهي أيضاً باطلة؛ فإنّه إن اُريد بذلك استلزام جعل الوجوب لجعل حرمة الترك، من قبيل الاستلزام في التكوينيّات، بأن يكون جعل الوجوب مستلزماً تكويناً وقهراً لجعل حرمة الترك بلا إرادة واختيار، فهذا غير معقول في الأفعال الاختياريّة، وجعل الحكم فعل اختياريّ.

وإن اُريد بذلك أنّ جعل الوجوب يستلزم خلق داع في نفس الجاعل يدعوه إلى جعل حرمة الترك، فهو أيضاً باطل؛ إذ لا داعي إلى جعلها، بل اللغويّة تدعو إلى عدم الجعل؛ فإنّ الحكم الغيريّ ـ على ما مضى ـ لا يترتّب على امتثاله أو عصيانه استحقاقٌ للثواب أو العقاب، ولا يؤكّد التحريك.

هذا كلّه بلحاظ عالم الجعل.

وأمّا بلحاظ عالم الحبّ والبغض، فدعوى اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه في هذا العالم يجب أن تقوم على أساس دعوى فرضيّة من فرضيّات أربع في باب عاطفة الحبّ والبغض:

الفرضيّة الاُولى: أن يقال: إنّه لا توجد في وجدان الإنسان وضميره عاطفة اسمها عاطفة الحبّ، وإنّما الموجود دائماً هو عاطفة البغض، غاية ما هناك أنّ البغض قد يتعلّق بالفعل، وقد يتعلّق بالترك، فيسمّى الفعل محبوباً(1). وهذه الفرضيّة في صالح القول بأنّ الأمر بالشيء عين النهي عن الترك.

وهذه الفرضيّة يبطلها الوجدان الشاهد بوجود عاطفة في النفس اسمها عاطفة الحبّ.


(1) ويمكن دعوى العكس أيضاً، بمعنى إنكار عاطفة البغض وحصرها في الحبّ، والنتيجة أيضاً هي العينيّة، وهذه الدعوى أيضاً تخالف الوجدان.

50

الفرضيّة الثانية: ما يقوله علماء النفس المحدثون: من أنّ هناك عاطفة(1)واحدة في الإنسان، حينما تُنسب إلى ما يلائمه تكون حبّاً، وحينما تُنسب إلى نقيض ذلك المحبوب تكون بغضاً. وهذه الفرضيّة أيضاً في صالح القول بأنّ الأمر بالشيء عين النهي عن الترك.

وهي أيضاً غير صحيحة؛ فإنّه يرد عليها:

أوّلا: إنّها خلاف الوجدان الحاكم بأنّ هذه العاطفة يكون مركز ثقلها أحياناً هو الطرف المحبوب، وأحياناً اُخرى هو الطرف المبغوض.

وثانياً: إنّ هذه العاطفة من الصفات الحقيقيّة ذات الإضافة، والمضاف إليه لصفة من هذا القبيل دائماً توجَد في نفس الاُفق الذي توجد فيه هذه الصفة، وتكون مقوّمة لها، كما هو الحال في العلم بالقياس إلى المعلوم بالذات، والظنّ بالقياس إلى المظنون بالذات، وغير ذلك. فإذا تبدّل المضاف إليه تبدّلت الصفة لا محالة، إذن فحبّ الفعل عاطفة غير عاطفة بغض الترك؛ لأنّ المضاف إليه غير المضاف إليه.

وثالثاً: إنّ هذه الصفة لو كانت صفة واحدة مضافةً إلى الفعل والترك معاً، لكانت نسبتها إلى الفعل والترك على حدٍّ سواء، ولا معنى لأن تكون بالقياس إلى الفعل حبّاً، وبالقياس إلى الترك بغضاً.

الفرضيّة الثالثة: أن يقال: إنّ الملاك الموجود في الفعل ـ الذي يولّد في النفس


(1) فرق هذه الفرضيّة عن الفرضيّة الاُولى: أنّ العاطفة المعترف بها في الفرضيّة الاُولى كانت هي البغض، ومركز الثقل فيها هو الطرف المبغوض. كما أنّه لو أخذنا بعكس الفرضيّة الاُولى فالعاطفة المعترف بها هي الحبّ، ومركز الثقل فيها هو الطرف المحبوب. أمّا على هذه الفرضيّة فهناك عاطفة واحدة، ليس مركز الثقل فيها هو خصوص الطرف المحبوب أو المبغوض، بل نسبتها إلى الطرفين على حدّ سواء.

51

حبّه ـ يولّد في عرض واحد مجموع أمرين: حبّ الفعل. وبغض الترك.

وهذه الفرضيّة في صالح القول بالاقتضاء بنحو الجزئيّة، أي: أنّ الحبّ والبغض جزءان عرضيّان لما اقتضاه الملاك.

ولابدّ في هذه الفرضيّة من مراجعة الوجدان ليرى أنّ الحسّ الباطنيّ هل يساعدها أو لا، فعهدتها على مدّعيها. وما ادّعيناه في ردّ الفرضيّة الثانية ـ من شهادة الوجدان بأنّ مركز الثقل في هذه العاطفة قد يحسّ أنّه الجانب المحبوب، وقد يحسّ أنّه الجانب المبغوض ـ ينافي هذه الفرضيّة أيضاً.

الفرضيّة الرابعة: أن يقال: إنّ المصلحة الموجودة في الفعل تولّد في النفس حبّاً للفعل، وبذلك يصبح تركه مؤلماً له حينما يكون الحبّ حبّاً مقيّداً به، وعندئذ فيكره الترك؛ حيث إنّ الإنسان يتأ لّم من فوات المحبوب، فحبّ الفعل حينما يكون شديداً هو الذي يولّد بغض الترك.

وهذه الفرضيّة في صالح القول الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الترك بالاستلزام، وهي أقرب الفرضيّات إلى الوجدان.

وأمّا ما أورده السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ على القول بالاستلزام: من أنّ الحكم الغيريّ إنّما يكون ملاكه المقدّميّة، ولا مقدّميّة في المقام(1)، ففي غير محلّه؛ فإنّ انحصار ملاك الحكم الغيريّ في المقدّميّة أوّل الكلام، والمدّعي لحرمة ترك الواجب يدّعي أنّ للحكم الغيريّ ملاكاً آخر أيضاً وهو النقيضيّة، وإنكار ذلك ابتداءً ليس إلاّ مصادرة على المطلوب.

 


(1) راجع المحاضرات للفيّاض، ج 3، ص 49 بحسب طبعة مطبعة النجف.

52

 

ثمرة بحث الضدّ

البحث الثالث: في ثمرة البحث. وقد ذكر فرعان لإبراز ثمرته:

1 ـ لو تزاحم عباديّ موسّع مع واجب مضيّق، فلو كان الأمر بالمضيّق يقتضي النهي عن ضدّه بطلت العبادة؛ لأنّ النهي في العبادات يوجب البطلان، وإلاّ صحّت.

2 ـ لو تزاحم عباديّ مع واجب أهمّ، فعلى الاقتضاء تبطل العبادة بالنهي، وعلى عدم الاقتضاء تصحّ.

وقد اُورد على هذه الثمرة بإيرادين:

الإيراد الأوّل: أنّ العبادة باطلة على كلّ حال؛ لأنّ الأمر بالشيء إن لم يقتض النهي عن ضدّه، فلا أقلّ من اقتضائه لعدم الأمر بضدّه؛ لأنّ الأمر بالضدّين غير معقول، فتبطل العبادة بعدم الأمر، من قبيل صلاة الحائض(1).

وقد اُجيب عن ذلك بعدّة وجوه:

الوجه الأوّل: ما عن المحقّق الثاني(رحمه الله)(2)، وهو يختصّ بالفرع الأوّل، وهو: أنّه يكفي في صحّة العبادة الأمر بالجامع، والجامع بين أفراد الموسّع لا يضادّ المضيّق، وإنّما الذي يضادّه خصوص الفرد المزاحم له، فيأتي بهذا الفرد امتثالا لأمر الجامع.


(1) هذا منقول عن الشيخ البهائيّ(رحمه الله)، نقله في فوائد الاُصول للشيخ الكاظميّ، ج 1، ص 312 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وأخرجه تحت الخطّ عن كتاب الزبدة للشيخ البهائيّ(رحمه الله)، المطلب الأوّل من المنهج الثالث، بحث الضدّ، ص 82.

(2) أخرجه في فوائد الاُصول، ج 1، ص 312 بحسب الطبعة الماضية تحت الخطّ، عن جامع المقاصد للمحقّق الثاني، كتاب الدين وتوابعه، المطلب الأوّل من المقصد الأوّل.

53

وقد أورد على ذلك المحقّق النائينيّ(رحمه الله) بأنّ هذا إنّما يتمّ لو كان ملاك اشتراط القدرة في التكليف قبح تكليف العاجز، فيقال هنا: لا قبح بالتكليف بالجامع بين الفرد غير المقدور والفرد المقدور؛ لأنّ ذلك لا يُحرِج المكلّف؛ إذ بإمكانه الإتيان بالفرد المقدور. ولكنّ الأمر ليس كذلك؛ فإنّ الخطاب بذاته يقتضي الاختصاص بالمقدور، وحتّى لو أنكرنا الحسن والقبح العقليّين كان التكليف مشروطاً بالقدرة؛ لأنّ قوام التكليف بالداعويّة وقابليّة التحريك، وهي لا تكون إلاّ بالنسبة للمقدور؛ لاستحالة التحرّك نحو غير المقدور. وعليه فنفس توجّه الوجوب إلى الجامع يحصّص الجامع ويخرج منه الفرد غير المقدور؛ لأنّ الداعويّة وقابليّة التحريك لا تكون إلاّ بالقياس إلى باقي الحصص، فليس هذا الفرد داخلا في الجامع المأمور به(1).

وقد أورد السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ على هذا الكلام بإيرادات:

الإيراد الأوّل: أنّ المحقّق النائينيّ(رحمه الله) سلّم بكلام المحقّق الثاني(رحمه الله) بناءً على كون ملاك اشتراط القدرة في التكليف عبارة عن حكم العقل بقبح التكليف بغير المقدور، بينما لم يكن ينبغي له التسليم بذلك حتّى على هذا الفرض، بناءً على مذهبه من استحالة الواجب المعلّق؛ وذلك لأنّه في زمان الفرد المزاحم غير قادر على ذلك الواجب أصلا؛ إذ لا هو قادر على فرده الأوّل؛ لأنّه مزاحمٌ بحسب الفرض، ولا على باقي الأفراد؛ لأنّها استقباليّة وتكون القدرة عليها في المستقبل دون الآن، فالواجب استقباليّ، فإذا كان الوجوب حاليّاً كان من الواجب المعلّق


(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 262 ـ 264 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، وفوائد الاُصول، ج 1، ص 314 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

54

المستحيل عنده(1).

أقول: إنّ بإمكان المحقّق النائينيّ(رحمه الله) الجواب عن هذا الإيراد وفقاً لمبانيه. ونوضّح ذلك بعد تقديم أمرين:

1 ـ إنّ استحالة الواجب المعلّق يذكر لها وجهان:

الوجه الأوّل: ما يستفاد ممّا نقله صاحب الكفاية(2) عن بعض معاصريه، مع تعميقه من قِبَل المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله)(3)، وهو أنّ التكليف متقوّم بإمكانيّة البعث، وإمكانيّة البعث لا تكون إلاّ مع إمكانيّة الانبعاث، وفي الواجب المعلّق لا يمكن الانبعاث قبل وقت الواجب.

والوجه الثاني: ما يقوله المحقّق النائينيّ(رحمه الله) من أنّ الواجب المعلّق يستلزم الشرط المتأخّر، فإذا وجب من الغروب الصوم عند الفجر، كان هذا الوجوب مشروطاً بشرط متأخّر وهو طلوع الفجر(4)، والشرط المتأخّر محال.

2 ـ إنّ المحقّق النائينيّ(رحمه الله) القائل باستحالة الشرط المتأخّر يقول: إنّه إذا دلّ


(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 263، تحت الخطّ، بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، والمحاضرات للشيخ الفيّاض، ج 3، ص 59 ـ 61 بحسب طبعة مطبعة النجف في النجف الأشرف.

(2) راجع الكفاية، ج 1، ص 161 ـ 162 بحسب الطبعة المشتملة في حواشيها على تعليقات المشكينيّ.

(3) راجع نهاية الدراية، ج 2، ص 76 ـ 77 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، وبحوث في الاُصول، ص 59 ـ 60 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

(4) راجع فوائد الاُصول، ج 1، ص 186 ـ 191 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وأجود التقريرات، ج 1، ص 136 ـ 142 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

55

دليل خاصّ في مورد على شرطيّة المتأخّر، أوّلناه بكون الشرط هو التعقّب، ويقول: إنّه بذلك يرجع إلى الشرط المقارن(1).

أقول: إنّ هذا الكلام له تطبيقان:

1 ـ أن يرد دليل خاصّ بمضمون شرطيّة أمر متأخّر، كما لو دلّ الدليل على أنّ بيع الفضوليّ يكون صحيحاً بشرط أن تأتي الإجازة من قِبَل المالك.

2 ـ أن يرد دليل عامّ على الحكم خال من الشرط المتأخّر، ويرد إجماع ـ ونحوه من دليل لبّيّ ـ يخرج من الدليل العامّ الحصّة غير المتعقّبة بذلك الشرط، فيبقى المتعقّب به داخلا تحت العامّ، فيثبت إمّا الشرط المتأخّر، أو كون التعقّب شرطاً، وبما أنّ الأوّل مستحيل بحسب الفرض، فالمتعيّن هو الثاني.

إذا عرفت هذين الأمرين قلنا:

لو كان المحقّق النائينيّ(رحمه الله) يقول باستحالة الواجب المعلّق على أساس عدم إمكانيّة الانبعاث، وعدم صدق إمكانيّة البعث، فقد يقال بأنّه يُسجّل عليه إشكال السيّد الاُستاذ دامت بركاته؛ وذلك لأنّه في زمان الفرد المزاحم لا يمكنه الانبعاث نحو الصلاة.

ولكنّه لا يقول بالاستحالة من هذه الناحية، وإنّما يقول بالاستحالة من ناحية كون الواجب المعلّق مستلزماً للشرط المتأخّر، وما يتوهّم كونه شرطاً متأخّراً في المقام هو القدرة على الواجب المتأخّرة عن زمان الفرد المزاحم، إلاّ أنّ اشتراط القدرة قد فرض أنّه إنّما يكون على أساس حكم العقل بقبح تكليف العاجز.


(1) راجع فوائد الاُصول، ج 1، ص 281 ـ 282 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم، وراجع أجود التقريرات، ج 1، ص 146 بحسب الطبعة المشتملة على تعاليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

56

فالدليل بمقتضى إطلاقه يقتضي وجوب الصلاة مطلقاً، وقد خرج منه بالمخصّص اللبّيّ العاجز؛ لقبح تكليفه، ولكن ليس تكليف العاجز بالجامع قبيحاً إلاّ ذلك العاجز الذي سيعقب عجزه العجز عن باقي الأفراد الطوليّة. إذن تخرج هذه الحصّة من الإطلاق، ويبقى الباقي ويصبح الشرط تعقّب القدرة.

الإيراد الثاني: أنّ المحقّق النائينيّ(رحمه الله) لم يكن ينبغي له أن يسلِّم بكلام المحقّق الثاني على تقدير كون ملاك اشتراط القدرة هو حكم العقل بقبح تكليف العاجز؛ وذلك بناءً على مبناه من أنّ امتناع التقييد يوجب امتناع الإطلاق؛ لأنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة، فإنّه يقال ـ مبنيّاً عليه ـ: إنّ تقييد الوجوب بالفرد المزاحم غير ممكن، فشمول إطلاقه للفرد المزاحم أيضاً غير ممكن(1).

أقول: إنّ هذا الإيراد أيضاً غير وارد على المحقّق النائينيّ(رحمه الله)؛ فإنّ الإطلاق تارةً يقصد به: شمول الحكم لفرد في مقابل اختصاصه به أو بغيره. واُخرى يقصد به: عدم التقييد. وما فرضه المحقّق النائينيّ مقابلاً للتقييد ـ تقابل العدم والملكة ـ إنّما هو الثاني، لا الأوّل؛ فإنّ الأوّل أمرٌ وجوديّ.

والسيّد الاُستاذ قد طبّق في المقام قانون: أنّ استحالة التقييد توجب استحالة الإطلاق على الأوّل؛ حيث ذكر أنّه إذا امتنع التقييد بالفرد المزاحم، امتنع إطلاقه للفرد المزاحم، بينما هذا غير مرتبط بمبنى المحقّق النائينيّ(رحمه الله).

وإذا أردنا أن نتكلّم في المقام وفقاً لمبنى المحقّق النائينيّ(رحمه الله) قلنا: إنّ التقييد بالفرد المزاحم غير ممكن. إذن، فالإطلاق بمعنى عدم هذا القيد ـ المستوجب لشمول الحكم لباقي الأفراد ـ غير ممكن، وهذا وإن كان نتيجة غريبة، إلاّ أنّه


(1) راجع المحاضرات للفيّاض، ج 3، ص 64 بحسب طبعة مطبعة النجف في النجف الأشرف.

57

لا يضرّ بمقالة المحقّق الثاني، والتقييد بالفرد غير المزاحم ممكن، إذن فالإطلاق بمعنى: عدم هذا القيد ـ المستوجب لشمول الحكم للفرد المزاحم ـ ممكن. وهذا هو الذي ينفع المحقّق الثاني.

نعم، تلك النتيجة الغريبة إشكالٌ على أصل مبنى المحقّق النائينيّ(رحمه الله)في الإطلاق والتقييد؛ إذ لازمها سقوط الصلاة رأساً، وبمثل ذلك يمكننا أن نتخلّص من الشريعة(1).

ولا يمكن علاج الموقف بمتمّم الجعل سنخ ما يقوله(رحمه الله) في قصد القربة، فإنّه في باب قصد القربة أمكن فرض أمر ثان يأمر بقصد الأمر الأوّل، لكن في المقام مهما فرض من أمر جديد يستحيل تقييده بالفرد المزاحم.

الإيراد الثالث: أنّ كون الخطاب بنفسه يتطلّب شرط القدرة؛ لأنّ قوام التكليف بإمكانيّة البعث غير صحيح؛ فإنّ هذا إنّما يتمّ بناءً على ما اشتهر من أنّ الأمر وُضع لإنشاء البعث والنسبة الإرساليّة ونحو ذلك، وأمّا على ما هو المختار ـ أي: للسيّد الاُستاذ دامت بركاته ـ من أنّ صيغة الأمر وضعت لاعتبار الفعل في ذمّة المكلّف، فليس قوام التكليف بإمكانيّة البعث(2).

أقول: إنّ هذا الكلام أجنبيٌّ عن نكتة البحث في المقام؛ فإنّ النزاع في كون مفاد


(1) بأن نقول مثلا: إنّ تقييد كلّ تكليف لصورة العجز غير ممكن، فإطلاقه لصورة القدرة أيضاً غير ممكن، فبذلك نتخلّص من كلّ تكاليف الشريعة.

ولكن لا يخفى أنّه سيأتي الجواب على هذا الإشكال في بحث الترتّب في الجواب على الشبهة الجانبيّة الثانية من الشبهات الواردة على الترتّب.

(2) راجع المحاضرات للفيّاض، ج 3، ص 66 ـ 68 بحسب طبعة مطبعة النجف في النجف الأشرف.

58

صيغة الأمر هل هو: البعث والتحريك والنسبة الإرساليّة والطلبيّة ونحو ذلك، أو هو: اعتبار الفعل في ذمّة المكلّف، إنّما هو نزاعٌ في المدلول التصوّريّ لصيغة الأمر، أو قل: المدلول التصديقيّ بالدرجة الاُولى على ما يدّعيه السيّد الاُستاذ من كونه هو المدلول الوضعيّ للّفظ، في حين أنّ نكتة البحث في المقام هي معرفة المدلول التصديقيّ الأقصى لصيغة الأمر، فلو فرض أنّ المدلول الوضعيّ لصيغة الأمر هو اعتبار الفعل في الذمّة، لكن كان يستكشف من الأمر بالدلالة التصديقيّة أنّ المولى قد أمر بداعي البعث والتحريك، كفى ذلك في اشتراط القدرة على الانبعاث ولو فرض أنّ المدلول الوضعيّ لصيغة الأمر هو البعث والتحريك. لكنّنا لم نقبل أنّ الأمر يكشف عن داعي البعث والتحريك تصديقاً، إذن لم يكن الخطاب متطلّباً لثبوت القدرة.

والذي ينبغي أن يقال(1) ـ في مقام التعليق على كلام المحقّق النائينيّ(رحمه الله) ـ هو: أنّه حتّى بناءً على ما يقوله: من كون الخطاب بنفسه متطلّباً للقدرة على المتعلّق ـ لأنّ قوام التكليف بالبعث ـ لابدّ من التسليم لما ذكره المحقّق الثاني(رحمه الله): من تعلّق الأمر بالجامع؛ وذلك لأنّ الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور، فالبعث وإن كان يقتضي إمكانيّة الانبعاث التي هي بالقدرة على المتعلّق، لكنّ القدرة على المتعلّق حاصلة في المقام بلا حاجة إلى تحصيص الجامع وإخراج الفرد غير المقدور منه، فلا مبرّر لكون تعلّق التكليف بالجامع محصّصاً له. إذن، فالوجه الأوّل للجواب على الإيراد ـ وهو ما ذكره المحقّق الثاني(رحمه الله) ـ صحيح، إلاّ أنّه مختصٌّ بالفرع الأوّل.


(1) وقد بيّن السيّد الخوئيّ(رحمه الله) هذا الجواب أيضاً، راجع المحاضرات للفيّاض، الطبعة الماضي ذكرها، ص 62 ـ 63، وص 65.

59

الوجه الثاني: دعوى ثبوت الأمر بالضدّ العباديّ بنحو الترتّب. وهذا الوجه يأتي في الفرع الثاني، وكذلك يأتي في الفرع الأوّل بعد فرض التنزّل عن إمكانيّة الأمر العرضي بالنحو الذي جاء في مقالة المحقّق الثاني(رحمه الله). وهذا الوجه تامٌّ على ما نحن نذهب إليه من إمكان الترتّب. وسنبحث عن إمكان الترتّب وعدمه بعد الانتهاء من الإيرادين الذين اُوردا على ثمرة البحث مع أجوبتهما.

الوجه الثالث:هو أنّه حتّى لو فُرض عدم الأمر عرضيّاً ولا بنحو الترتّب، يكفي في صحّة العبادة وجود الملاك، بناءً على كفاية التقرّب بالملاك، فلا تبطل إلاّ إذا كان الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضدّه، فتبطل العبادة عندئذ بالنهي. والضدّ في المقام إنّما لم يؤمر به لا لعدم الملاك، بل لضيق الخناق من باب استحالة الأمر بالضدّين.

وهذا التقريب ـ بهذا المقدار ـ يورد عليه: أنّ الكاشف عن الملاك هو الأمر، والمفروض أنّه انتفى في فرض التزاحم، فلعلّه لا ملاك في المقام؟!

وفي مقام إثبات الملاك عمدة ما يذكر كاشفاً عنه أحد أمرين:

الأمر الأوّل: هو الدلالة الالتزاميّة لصيغة الأمر، فإنّها تدلّ بالمطابقة على الإلزام، وبالالتزام على الملاك، ففي المقام نأخذ بالدلالة الالتزاميّة للأمر.

وأورد على ذلك السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بأنّ هذا مبنيّ على القول بأنّ الدلالة الالتزاميّة لا تتبع المطابقيّة في الحجّيّة، وإنّما تتبعها في الوجود. ففي المقام وإن سقطت المطابقيّة عن الحجّيّة، لكنّنا نتمسّك بالالتزاميّة، فيثبت بذلك الملاك. والصحيح تبعيّتها لها حتّى في الحجّيّة(1).

ولنا حول هذا المطلب ثلاث كلمات:

الاُولى: أنّ هذا الكلام لا يناسب مبناه، حيث قد صرّح في المقام بأنّ التكليف


(1) راجع المحاضرات، ج 3، ص 75 ـ 79.

60

ليس مشروطاً بالقدرة، لا بلحاظ اقتضاء ذات الخطاب له، ولا بلحاظ حكم العقل بقبح تكليف العاجز، وإنّما القدرة شرطٌ في حكم العقل بوجوب التحرّك وفْق الأمر وامتثاله، فبناءً على هذا ليست الدلالة المطابقيّة ساقطة عن الحجّيّة في المقام حتّى تسقط الدلالة الالتزاميّة أيضاً بتبع سقوطها، فعلى هذا المبنى يكون التمسّك بالملاك في مقام تصحيح العبادة جواباً متيناً على الإيراد.

الثانية: أنّ المختار لنا هو: أنّ التكليف مشروط بالقدرة، وأنّ الدلالة الالتزاميّة تابعة للمطابقيّة في الحجّيّة، وإثبات كلّ واحد من الأمرين موكول إلى محلّه. فالدلالة المطابقيّة في المقام ساقطة عن الحجّيّة، فمن يقول بتبعيّة الدلالة الالتزاميّة للمطابقيّة في الحجّيّة لا ينبغي له التمسّك بالدلالة الالتزاميّة في المقام.

الثالثة: أنّ الدلالة الالتزاميّة في المقام ساقطة حتّى لو لم نقل بتبعيّتها للمطابقيّة في الحجّيّة؛ وذلك لأنّ تبعيّتها لها في الوجود ممّا لا شكّ فيه، وهنا الدلالة المطابقيّة غير موجودة؛ فإنّ اشتراط القدرة ليس بمخصّص منفصل هادم لحجّيّة الظهور مع انحفاظ أصل الظهور، وإنّما هو مخصّص متّصل هادم لأصل الظهور؛ فإنّ المدرك في اشتراط القدرة هو تطلّب الخطاب للقدرة؛ لبداهة عدم إمكان البعث عند عدم إمكان الانبعاث، والبعث هو قوام التكليف؛ أو وضوح قبح تكليف العاجز الذي هو أمر إرتكازيّ بديهيّ كالمتّصل.

الأمر الثاني: ما ذكره المحقّق النائينيّ(رحمه الله) من التمسّك بإطلاق المادّة. والذي يظهر(1) من تقرير بحثه أنّه يقول: إنّ المولى في أمره بالصلاة ـ مثلا ـ يكون بصدد


(1) ما ظهر لي من عبارة أجود التقريرات ليس هو هذا، ولكن هذا أكثر فنّيّةً ممّا ظهر لي من تلك العبارة.

61

بيان شيئين في عرض واحد ـ وموضوعهما شيء واحد، وهو المادّة ـ أحدهما: الوجوب، والآخر: الملاك. فهناك موضوع واحد دلّ الأمر على ثبوت محمولين له، فالمحمول الأوّل ـ وهو الحكم والوجوب ـ ثبت بدلالة وضعيّة، والمحمول الثاني ـ وهو الملاك ـ ثبت بدلالة سياقيّة؛ فإنّ ظاهر حال المولى أنّه بصدد بيان الحكم مع بيان روحه ـ وهو الملاك ـ لا بصدد بيان الحكم فقط. وهاتان الدلالتان عرضيّتان، أي: كلتاهما دلالة مطابقيّة، وليست الثانية التزاميّة كما فرض في الأمر الأوّل.

والمقيّد الذي قيّد الخطاب بالقدرة مفاده واضحٌ في اختصاصه بجانب الحكم، ولا يمسّ جانب الملاك بصلة؛ فإنّ اقتضاء البعث لإمكانيّة الانبعاث، أو حكم العقل بقبح تكليف العاجز كلاهما مرتبطان بالحكم. أمّا ثبوت الملاك في حقّ العاجز فلا يوجد فيه قبحٌ ولا فيه جنبة بعث وتحريك، فهذا المقيّد لا هو قرينة على تقييد الملاك، ولا هو صالحٌ للقرينيّة على ذلك حتّى يوجب الاجمال، فبلحاظ الملاك نتمسّك بإطلاق المادّة.

نعم، حينما تؤخذ القدرة قيداً في الموضوع بواسطة نفس الدليل اللفظيّ للحكم، لا بالقرينة اللبّيّة المفروضة في المقام، يكون الظاهر من ذلك تقيّد المادّة بلحاظ كلا المحمولين.

وهذا التقريب بهذا النحو يعني: أنّ تمام نكتة المطلب هو فرض الدلالة على الملاك مع الدلالة على الحكم عرضيّتين، وكون المقيّد مرتبطاً بجانب الحكم فقط.

وليست نكتة المطلب هي: أنّ قرينة التقييد تكون في الرتبة المتأخّرة عن الخطاب؛ لأنّها عبارة عن حكم العقل بقبح توجيه الخطاب إلى العاجز، أو تطلّب نفس الخطاب القدرة، فلا يمكن أن تمتدّ إلى المرتبة المتقدّمة على الخطاب، وتقيّد الملاك، حتّى يرد عليه إشكال السيّد الاُستاذ دامت بركاته: من أنّ القرينة المتأخّرة قد تنظر إلى مدلول متقدّم.

62

فإنّ المقصود ـ بناءً على ما ذكرناه من التقريب ـ هو: أنّ القرينة بذاتها قاصرة عن تقييد الملاك، ولا تصلح لأكثر من تقييد الحكم، لا أنّها باعتبارها في مرتبة متأخّرة أصبحت عاجزة عن تقييد الملاك.

والصحيح ـ في ردّ ذلك التقريب ـ هو: إنكار أصله الموضوعيّ، وهوكون الدلالة على الملاك في عرض الدلالة على الحكم؛ فإنّ الصحيح: أنّالأمر يدلّ على الحكم، والحكم يدلّ على الملاك، فالدلالة على الملاكدلالة التزاميّة، فرجعنا إلى الطريق الأوّل لاستكشاف الملاك الذي عرفت الجواب عنه.

وقد تحصّل: أنّ الوجه الثالث للتخلّص عن الإيراد الأوّل، وهو التشبّث بالملاك غير تامٍّ، وأنّ الوجهين الأوّلين الراجعين إلى التشبّث بالأمر تامّان، فالإيراد الأوّل غير وارد.

الإيراد الثاني: أنّ العبادة صحيحة على كلّ حال؛ لأنّ النهي الغيريّ لا يوجب البطلان، وهذا ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ(رحمه الله) والسيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ(1)بدعوى: أنّ النهي الغيريّ حيث إنّه ينشأ من ملاك في غيره لا في نفسه، إذن لا ينافي الملاك النفسيّ، فيمكن التقرّب بالملاك.


(1) الموجود ممّا نقل عن السيّد الخوئيّ(رحمه الله) في تقرير الفيّاض يختلف عن هذا، فإنّه يقول بعدم مضرّيّة النهي الغيريّ، وتصحيح العبادة بالأمر بالجامع في الموسّع، ولا يقول بتصحيحها بالملاك فيما يشمل المضيّق.

ويرد عليه: أنّ النهي الغيريّ لئن أمكن اجتماعه مع الملاك، فمن الواضح عدم إمكان اجتماعه مع الأمر بالجامع؛ فإنّ النهي ـ ولو فرض غيريّاً ـ يساوق المبغوضيّة، وينافي المحبوبيّة، ولو بمعنى كونه فرداً من الجامع المحبوب.

63

إلاّ أنّ هذا الإيراد أيضاً لا يمكن المساعدة عليه؛ إذ يرد عليه:

أوّلا: أنّه إن قُصد بالملاك المحبوبيّة النفسيّة، لم نُسلّم كون النهي الغيريّ غير مناف له؛ فإنّ المحبوبيّة والمبغوضيّة متضادّتان، سواءً كانتا نفسيّتين أو غيريّتين أو مختلفتين.

وإن قُصد به المصلحة، فمجرّد قصد المصلحة ـ من دون إضافتها إلى المولى، بأن يأتي بها بما هي محبوبة للمولى ـ لا يوجب التقرّب إلى المولى، فلا تصحّ به العبادة.

وثانياً: أنّ عدم منافاة النهي الغيريّ للملاك لا يفيدنا شيئاً؛ لأنّه بعد أن كان منافياً للأمر أصبحت العبادة بلا أمر. وقد اتّضح ـ في مناقشة الوجه الثالث للجواب على الإيراد الأوّل ـ: أنّه لا يمكن تصحيح العبادة بمجرّد الملاك من دون أمر؛ إذ بعد فرض سقوط الأمر لا كاشف عن الملاك.

وقد تحصّل بكلّ ما ذكرناه: أنّ الثمرة التي ذُكرت للبحث في المقام صحيحة، ويمكن صياغتها بهذه الصياغة، وهي: أنّه لو لم يقتض الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه، فضدّه العباديّ لو أتى به كان صحيحاً؛ لتعلّق الأمر به عرضيّاً أو بنحو الترتّب، ولو اقتضى النهي عن ضدّه كان باطلا.

كما اتّضح أيضاً ـ بما ذكرناه ـ: أنّ الثمرة لا تختصّ بالضدّ العباديّ، بل تجري في التوصّليّ أيضاً؛ لأنّك قد عرفت: أنّ إحراز الملاك من دون ثبوت الأمر غير ممكن، وعليه فالضدّ يبطل ولو لم يكن عبادة.

ويمكن بيان الثمرة بصياغة اُخرى أوسع وأشمل، وذلك بأن يقال: إنّه بناءً على اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه يرجع باب التزاحم دائماً إلى باب التعارض؛ لأنّ الأمر بكلّ ضدّ يوجب النهي عن ضدّه الآخر، فيتكاذب الأمران لا محالة. وبناءً على عدم الاقتضاء قد لا يرجع التزاحم إلى التعارض؛ لأنّه مع فرض

64

الإيمان بالترتّب لا يتكاذبان، فيكون كلّ منهما واجباً من دون أن ينفي وجوب الآخر. نعم، بناءً على إنكار الترتّب يتكاذبان أيضاً، كما سيتّضح شرح ذلك إن شاء الله تعالى. فإذا بيّنّا الثمرة بهذه الصياغة كان من جملة آثار هذه الثمرة، الثمرة بالصياغة الاُولى، أعني: بطلان الضدّ بناءً على الاقتضاء، إذا قدّم جانب الأمر بضدّه بقواعد باب التعارض.

بقي الكلام في الترتّب والتزاحم: