310

يعاقب الآخرون؛ لأنّهم لم يتركوا تركاً مقترناً بترك غيرهم. ولو فعلوا جميعاً معاً فقد امتثلوا؛ لأنّهم لم يأتوا بتلك الحصّة من الترك. ولعلّ لسان الإيجاب الكفائيّ صياغة عرفيّة لإيصال هذه التحريمات، أعني: تحريم الترك الجمعيّ على كلّ واحد منهم، أو إيجاب سدّ بعض أبواب العدم وهو العدم المقترن بترك الآخرين.

وأمّا الفرضيّة الثانيةـ وهي: تعلّق الوجوب بمجموع المكلّفين ـ: فلذلك تصويران:

التصوير الأوّل: أن يُفرض تعلّق الأمر بالمجموع، بمعنى كون المطلوب اشتراك تمام الأفراد في تلك العمليّة الواحدة، من قبيل الأمر المتوجّه إلى مجموع عشرة أشخاص بدحرجة حجر ثقيل لا يمكن لأحدهم وحده دحرجته مثلا. وهذا مرجعه بحسب الحقيقة إلى توجّه أمر إلى الجميع على نحو الاستغراق لا المجموعيّة، إلاّ أنّ المأمور به ليس هو ذلك الفعل ـ وهو دحرجة الحجر مثلا ـ بل المساهمة في ذلك الفعل، فالمأمور به في مثال دحرجة الحجر هو دفع كلّ واحد منهم هذا الحجر بحسب قدرته، لكي تتجمّع قوى الدفع على هذا الحجر فيتدحرج من مكانه.

والوجوب الكفائيّ لا يمكن تفسيره بهذا التفسير، فإنّه:

أوّلا: قد يكون الفعل الواجب ممّا لا يمكن اشتراك المكلّفين جميعاً فيه، فلئن كان الدفن ـ مثلا ـ بالإمكان اشتراك عديدين فيه، فالصلاة على الميّت ـ مثلا ـ لا يمكن ذلك فيها بأن يأتي كلّ واحد منهم بجزء من الصلاة مثلا.

وثانياً: أنّه حتّى فيما يُفرض إمكان اشتراك الكلّ فيه، لو أتى به بعض سقط عن الكلّ لا محالة ولم يكن عليهم عقاب، بينما مقتضى هذا الوجه خلاف ذلك؛ إذ المطلوب كان اشتراك كلّ واحد منهم في العمليّة ولم يتحقّق ذلك.

التصوير الثاني: أن يُفرض تعلّق الأمر بمركّب ارتباطيّ يكون كلّ واحد من المكلّفين جزءاً من هذا المركّب الارتباطيّ قياساً على متعلّقات الحكم الارتباطيّة، من قبيل تعلّق الوجوب بالصلاة التي هي بالرغم من تعدّد ما فيها من

311

أعمال وتشتّتها توجد لها وحدة اعتباريّة تجتمع وتتركّب فيها كلّ الأجزاء.

وهذا التصوير أيضاً غير صحيح؛ فإنّ العمل الواحد المركّب الاعتباريّ يمكن تحريك العبد نحوه، ولكن تحريك الواحد الاعتباريّ ـ وهو المجموع المركّب ـ غير معقول، وإنّما التحريك يكون دائماً لواقع الآحاد، أمّا المجموع بما هو مجموع فلا يحرّك ولا يبعث ولا يزجر ولا يعاقب ولا يثاب.

وأمّا الفرضيّة الثالثة ـ وهي: فرض تعلّق التكليف بصرف الوجود من المكلّفين، قياساً للمكلّف بالمتعلّق الذي قد يكون صرف الوجود، كما في (أكرم عالماً) ـ: فهي أيضاً غير معقولة؛ فإنّ صِرف الوجود في المتعلّق إمّا يكون بمعنى أوّل الوجود، أو يكون بمعنى أحد الأفراد، وكذلك في المكلّف لو أردنا فرضه بنحو صِرف الوجود يجب تقييده بأوّل الوجود أو بعنوان أحدها، وإلاّ انتشر الحكم على كلّ المكلّفين على نحو الاستغراق ومطلق الوجود. وكلّ واحد من التقييدين غير محتمل في المقام: أمّا التقييد الأوّل وهو التقييد بأوّل الوجود، فسواءٌ اُريد به أوّل من تولّد من المكلّفين، أو اُريد به أوّل من اطّلع من المكلّفين على الموضوع، أو أيّ معنى آخر، من الواضح أنّه غير مقصود؛ فإنّ نسبة الوجوب الكفائيّ إلى آخر الأفراد كنسبته إلى أوّل الأفراد(1).

وأمّا التقييد الثاني وهو التقييد بأحد الأفراد فغير معقول؛ إذ فرقٌ بين التحريك نحو عنوان أحد الاُمور وبين تحريك عنوان أحد الأفراد، فالتحريك نحو عنوان


(1) ولا يمكن أن يقال في المقام: إنّه يجب على أوّل من يوجده، كما يمكن أن يقال في المتعلّق: إنّه يجب أوّل ما يوجده؛ إذ يلزم من ذلك أنّه لو لم يوجده أحد لم يكن أحد مكلّفاً به ولم يعاقب أحد، في حين أنّه لا يلزم نظير ذلك في المتعلّق بأن يقال: إنّه لو لم يوجد شيئاً لزم عدم وجوب شيء عليه؛ وذلك لأنّ قيد أوّل ما يوجده كان مأخوذاً في متعلّق الحكم لا في موضوع الحكم، وكلّ قيد يؤخذ في متعلّق الحكم يكون بذاته تحت الطلب.

312

أحد الاُمور معقول بلا حاجة إلى فرض سريان الحكم إلى أفراد تلك الاُمور؛ فإنّ المكلّف المطيع حينما رأى نفسه مكلّفاً بعنوان أحد الاُمور فهو لا محالة يختار فرداً من تلك الأفراد لكي يكون محقِّقاً لعنوان أحد الاُمور.

أمّا الإيجاب على عنوان أحد المكلّفين وإشغال ذمّته فلا أثر له؛ إذ هل يُفرض هذا الإيجاب وإشغال الذمّة واقفاً على عنوان أحد المكلّفين من دون أن يسري إلى واقع أفراد المكلّفين، أو يُفرض سريان ذلك إلى أفراد المكلّفين بفناء هذا العنوان في الأفراد مثلا؟ فإن فُرض الأوّل فهذا لا يحرّك واقع أفراد المكلّفين. وإن فُرض الثاني فهل يسري الحكم وإشغال الذمّة إلى كلّ الأفراد أو إلى فرد معيّن أو إلى فرد مردّد؟ والكلّ غير معقول؛ إذ لو سرى إلى كلّ الأفراد لانقلب إلى الوجوب العينيّ، ولو سرى إلى فرد معيّن كان ترجيحاً بلا مرجّح، والفرد المردّد لا وجود له.

نعم، يبقى أن يُدّعى أنّ الحكم وإشغال الذمّة الشرعيّ يقف على عنوان أحدهم، ولكنّ العقل يحكم على أفراد المكلّفين بوجوب إفراغ ذمّة ذاك العنوان، ولزوم الإتيان بما أوجب المولى على ذاك العنوان إيصالا للمولى إلى ما أراد.

وهذه دعوى إن صحّت لأحوجتنا إلى تصوير آخر للوجوب الكفائيّ غير هذا التصوير؛ لأنّ هذا الوجوب العقليّ كفائيّ لا محالة، بينما هذا التصوير لم يفسّر لنا كفائيّة هذا الوجوب الذي جاء من قِبَل العقل، فلابدّ من تصويره بإحدى الصور الاُخرى لكي يختلف عن اللزوم العينيّ في كنهه أو في متعلّقه أو في إطلاقه، وإلاّ لكان لزاماً على الجميع أن يأتوا جميعاً بما اُوجِبَ على عنوان أحدهم وهو خلف. فعلى الأقلّ يتبرهن بذلك أنّ تصوير الوجوب الكفائيّ غير منحصر بهذا النحو من التصوير(1).


(1) ومن الغريب ما اختاره السيّد الخوئيّ(رحمه الله) في تقرير الفيّاض: من إرجاع الوجوب الكفائيّ إلى الوجوب على صرف الوجود، ودعوى انحصار تصوير الوجوب الكفائيّ بذلك بإبطال باقي الوجوه الاُخرى المتصوّرة في نظره.

313

وأمّا الفرضيّة الرابعة ـ وهي: فرض تعلّق الحكم بذات الفعل من دون توجّه إلى مكلّف أصلا ـ: فذلك بأن يقال: إنّ الحكم بالرغم من عدم تعلّقه بأحد المكلّفين يرى العقل لزاماً على المكلّفين وفقاً لقانون العبوديّة تحصيل ما هو متعلّقه إيصالا للمولى إلى ما أراد.

إلاّ أنّ فرضيّة تعلّق الحكم بذات الفعل من دون توجّه إلى المكلّف إنّما هو أمر معقول بلحاظ مبادئ الحكم من الحبّ والبغض، فإنّ الحبّ والبغض وإن كانا من الصفات الحقيقيّة ذات الإضافة إلاّ أنّه يكفي في تحقيق هذه الإضافة ارتباطه بمتعلّق، وهو الفعل المحبوب بلا حاجة إلى توجّهه إلى من يصدر منه هذا الفعل. أمّا بلحاظ نفس الحكم أي: البعث والزجر وإشغال الذمّة فغير معقول؛ إذ الباعث له علاقة تضايف مع المبعوث، وإشغال الذمّة بحاجة إلى من تنشغل ذمّته. على أنّه لو تعقّلنا هذا الوجه احتجنا أيضاً إلى تصوير آخر للوجوب الكفائيّ لكي نفسّر به كفائيّة حكم العقل على المكلّفين بلزوم الإتيان بمتعلّق هذا الحكم.

 

315

الأوامر

الفصل الحادي عشر

 

 

الواجب الموقّت وغير الموقّت

 

○ تبعيّة القضاء للأداء.

 

317

 

 

 

 

 

قد قسّموا الواجب إلى الموقّت وغير الموقّت، والموقّت إلى المضيّق وهو ما كان وقته بقدر فعله، والموسّع وهو ما كان وقته أوسع من فعله، فكان للمتعلّق أفراد طوليّة قد وجب الجامع بينها. وقد وقع الإشكال تارةً في تصوير الواجب الموسّع، واُخرى في تصوير الواجب المضيّق إلاّ أنّه ممّا لا يستحقّ الذكر.

وإنّما الجدير بالذكر هنا أنّه لو انتهى الوقت في الموقّت ولم يأت بالعمل فهل يحتاج وجوب الإتيان به بعد الوقت إلى أمر جديد ودليل جديد أو لا؟ وهذه هي المسألة المعروفة بتبعيّة القضاء للأداء وعدمها.

 

تبعيّة القضاء للأداء:

وتحقيق الحال في ذلك يكون بأن نذكر أوّلاً الفروض المتصوّرة في دليل الموقّت وبيان نتيجة كلّ واحد من هذه الفروض فيما نحن بصدده. ثُمّ نتكلّم عن أنّ أيّ فرض من هذه الفروض يتّفق مع الأدلّة الإثباتيّة.

 

الفروض المتصوّرة في دليل الموقّت ثبوتاً:

فنقول: إنّ الفروض المتصوّرة في المقام أربعة:

الفرض الأوّل: أن يكون الدليل دالاًّ على أصل وجوب الفعل، ويكون دليل التوقيت منفصلا غير ناظر إلى تقييد ذلك الدليل، بل ناظراً إلى وجوب جديد

318

منصبّ على التقيّد بالوقت أو على المقيّد به، فعندنا واجبان: أحدهما أصل الصلاة مثلا، والآخر التقيّد بالوقت أو الحصّة المقيّدة بالوقت على كلام في معقوليّة الثاني مضى في مبحث الإجزاء.

ونتيجة ذلك أنّ وجوب العمل بعد الوقت ليس بحاجة إلى أمر جديد ولا إلى دليل جديد بل يكفي فيه الدليل الأوّل؛ فإنّ ما سقط بالعصيان إنّما هو الأمر الثاني ـ وهو الأمر بالتقيّد أو المقيّد ـ ولا موجب لسقوط الأمر الأوّل ورفع اليد عن إطلاق دليله.

الفرض الثاني: أن يكون دليل التوقيت ناظراً إلى تقييد دليل الواجب إلاّ أنّه يقيّد بعض مراتب الوجوب لا جميعها، وعليه فعند فوات الوقت ينتهي أمر المرتبة الشديدة من الوجوب المتعلّقة بالحصّة الخاصّة، أي: الصلاة في الوقت، أمّا المرتبة الخفيفة من الوجوب فلا مقيِّد لها فهي متعلّقة بجامع الصلاة، فلا مبرّر لسقوط إطلاق الدليل أو الأمر بانتهاء الوقت، فنتمسّك أيضاً بنفس الدليل السابق والأمر السابق.

فالنتيجة على هذا الفرض ـ لو تعقّلناه ـ كالنتيجة على الفرض السابق، وإنّما الفرق بين الفرضين أنّ الأمر بالحصّة الخاصّة في الفرض الأوّل كان مستفاداً من الدليل الثاني، أعني: دليل التوقيت، بينما في هذا الفرض يكون كلا الأمرين مستفاداً من الدليل الأوّل، وإنّما دليل التقييد وظيفته تضييق دائرة الواجب الذي يتمتّع بالدرجة الشديدة من الوجوب وتقييده بالوقت.

الفرض الثالث: أن يكون دليل التوقيت ناظراً إلى تقييد دليل الواجب بكلّ مراتب الوجوب، ولو من باب أنّ الوجوب لم يكن له مراتب عديدة، ولكنّه كان تقييداً غير مطلق لكلّ الحالات بل مادام متمكّناً.

ونتيجة ذلك أنّه إذا انتهى الوقت فقد انتهى التمكّن، فنبقى نتمسّك بإطلاق

319

الدليل الأوّل لإثبات وجوب القضاء. إلاّ أنّ هذا معناه إثبات أمر جديد بنفس ذلك الدليل، لا بقاء الأمر الأوّل؛ فإنّ الأمر الأوّل كان متعلّقاً بالحصّة المقيّدة بالوقت وقد انتهى بالعصيان.

الفرض الرابع: أن يكون دليل التوقيت مقيّداً للواجب بلحاظ تمام مراتب الوجوب وتمام الحالات.

ونتيجة ذلك أنّ وجوب القضاء يحتاج إلى ثبوت أمر جديد بدليل جديد.

 

مناقشة الفروض إثباتاً:

بقي الكلام فيما يتّفق من هذه الفروض مع الأدلّة الإثباتيّة فنقول:

أمّا الفرض الأوّل ـ وهو حمل دليل التوقيت على بيان وجوب مستقلّ ـ: فهو خلاف ظاهر الأدلّة بعد ما كان المفروض في أدلّة القيود الاُخرى غير الوقت ـ كالجهر ونحوه ـ هو حمل المطلق على المقيّد بحسب ما قُرِّر في بحث المطلق والمقيّد؛ إذ لا فرق بين الزمان والزمانيّات من هذه الناحية.

وأمّا الفرض الثاني ـ وهو حمل دليل التوقيت على تقييد بعض مراتب الوجوب ـ: فقد يقال في مقام تقريبه: إنّ دليل التوقيت إذا كان متّصلاً لم يُبق مجالا لتكوّن الإطلاق في دليل الواجب. أمّا إذا كان منفصلا فبالإمكان التمسّك بإطلاق دليل الواجب لإثبات مرتبة نازلة للوجوب لذات الصلاة بلا تقيّد بالوقت، وذلك بشرطين:

الأوّل: أن يكون دليل الواجب ذا إطلاق، بأن لا يكون من قبيل الدليل اللبّيّ الذي لا إطلاق له أو نحو ذلك.

والثاني: أن لا يكون لدليل التقييد إطلاق، كما لو كان لبّيّاً، أو لم يكن في مقام بيان أصل المطلب، فعندئذ نقول: إنّ القدر المتيقّن من التقييد هو تقييد المرتبة

320

العالية من الوجوب. أمّا المرتبة النازلة منه فلم يُعلم تقييدها، فنتمسّك بإطلاق الدليل الأوّل.

ويرد عليه: أنّه إن فُرض أنّ دليل التوقيت لم يُعلم نظره إلى تقييد الدليل الأوّل وكان من المحتمل كونه بياناً لوجوب مستقلّ، فهذا معناه أشدّ في أصل التقييد وهو أجنبيّ عن المقصود.

وإن فُرض أنّنا علمنا بكونه مقيّداً لدليل الواجب في الجملة، قلنا: إنّ دليل الواجب ليس له إطلاق يدلّ على تعدّد الوجوب ذاتاً أو مرتبة، وإنّما غاية ما يوجد فيه إطلاقان: إطلاق للهيئة يدلّ على ثبوت الوجوب في تمام الحالات، وإطلاق للمادّة يدلّ على أنّ الواجب هو الجامع بين الحصص، ولا يوجد إطلاق آخر يدلّ على تعدّد الوجوب ذاتاً أو مرتبة حتّى يقال: إنّ القدر المتيقّن تقيّد بعضها فنأخذ بالبعض الآخر، ولذا لو ورد أمر بشيء لم نستظهر من ذلك الأمر بالإطلاق أنّ ذلك الشيء في أعلى درجات الوجوب.

على أنّه لو دلّ دليل الوجوب ـ بوجه من الوجوه ـ على كون الواجب في درجة عالية من الوجوب، والمفروض تقيّد تلك الدرجة بالصلاة في الوقت، لم تبق في دليل الواجب دلالة على وجوب من الدرجة النازلة لمطلق الصلاة؛ فإنّ ذات الوجوب الذي دلّ عليه الدليل واحد، وقد قُيّد بالحصّة التي في الوقت. نعم، لو كان ـ صدفة ـ في دليل الواجب خصوصيّة تدلّ على وجوبين، أو في دليل التوقيت خصوصيّة تدلّ على المقصود فهذا مطلب آخر خارج عن البحث.

وأمّا الفرض الثالث ـ وهو كون دليل التقييد مقيّداً لفرض حالة التمكّن ـ: فقد يقال في تقريبه سنخ ما مضى في تقريب الفرض الثاني، أي: أنّه بعد فرض دليل التقييد منفصلا، وفرض دليل الواجب سنخ دليل له إطلاق ـ كَأن لا يكون دليلا لبّيّاً مثلا ـ وفرض دليل التقييد غير مطلق ـ لكونه لبّيّاً أو لغير ذلك ـ يقال: إنّ القدر

321

المتيقّن هو تقيّد الواجب بالوقت مادام متمكّناً، فبعد زوال الوقت يتمسّك بإطلاق دليل الواجب لإثبات الوجوب.

ويرد عليه: أنّ هذا التبعيض في التقييد إنّما يُعقل بالنسبة إلى فرض تعدّد المكلّفين، بأن وجب الصلاة على الكلّ ودلّ دليل مقيِّد على تقيّد الصلاة بالجهر، وكان القدر المتيقّن من هذا التقييد هو صلاة الرجال مثلا، فهنا يتمسّك في صلاة النساء بإطلاق دليل الواجب، حيث إنّ الحكم الواحد هنا انحلاليّ، فقد قيّد بلحاظ الرجال دون النساء.

وواقع المطلب: أنّ الواجب يصبح هو الجامع بين صلاة جهريّة رجاليّة وصلاة إخفاتيّة نسائيّة. أمّا إذا لوحظ مكلّف واحد اُريد إثبات وجوب المقيّد عليه حدوثاً ووجوب المطلق عليه بقاءً ـ كما في المقام ـ فهذا يعني تعدّد الجعل والوجوب، بينما لا يدلّ دليل الواجب إلاّ على جعل واحد ووجوب واحد، والمركّب الارتباطيّ إذا سقط بعض أجزائه أو شرائطه ـ بعجز أو غيره ـ وبقى الباقي واجباً فهذا وجوب جديد لا محالة؛ إذ يستحيل بقاء وجوب الباقي مع سقوط ما سقط؛ لأنّ المفروض أنّه ارتباطيّ.

إذن فانحصر الأمر بالفرض الرابع. نعم، يبقى كلام في أنّه بعد انتهاء الوقت هل يمكن إثبات وجوب ذات العمل بالاستصحاب أو لا؟ وهذا بحث تعرّضنا له في بعض تنبيهات الاستصحاب، فلا حاجة إلى التعرّض له هنا.

 

323

الأوامر

الفصل الثاني عشر

 

 

الأمر بالأمر

 

○   الاحتمالات في المقصود من الأمر بالأمر.

○   المستظهر عرفاً من بين الاحتمالات.

 

325

 

 

 

 

 

الاحتمالات في المقصود من الأمر بالأمر:

الأمر بالأمر يوجد فيه عدّة احتمالات:

الاحتمال الأوّل: أن يكون مقصود المولى من ذلك أمر العبد الثاني بالفعل مع أمر العبد الأوّل بإيصال هذا الأمر إليه. وهذا وإن كان في الحقيقة خارجاً عن حقيقة الأمر بالأمر، لكنّه احتمال عرفيّ معقول في كلام المولى حينما يقول لعبده الأوّل: اُؤمر فلاناً يفعل كذا.

وبناءً على هذا الاحتمال يجب على العبد الثاني أن يفعل ذلك الفعل ولو لم يصله أمر المولى عن طريق العبد الأوّل؛ فإنّ كلام المولى في الحقيقة ينحلّ إلى أمرين عرضيّين: أحدهما متوجّه إلى العبد الثاني وهو الأمر بالفعل. والآخر متوجّه إلى العبد الأوّل وهو إيصال هذا الأمر بالفعل إلى العبد الثاني.

الاحتمال الثاني: أن يكون مقصود المولى حقيقةً هو الأمر بالأمر، إلاّ أنّ أمره للعبد الأوّل بأمر العبد الثاني لم يكن على وجه الموضوعيّة بل كان طريقاً لحصول الفعل من العبد الثاني، وهذا يستفاد منه عرفاً بالدلالة الالتزاميّة ـ لا بانحلال الدلالة المطابقيّة كما في الاحتمال الأوّل ـ أمر العبد الثاني بالفعل، فيجب عليه الفعل ولو لم يصله هذا الأمر عن طريق العبد الأوّل.

الاحتمال الثالث: أن يكون مقصوده هو الأمر بالأمر بنحو الموضوعيّة، بأن كان الملاك كامناً في أمر العبد الأوّل لا في فعل العبد الثاني، وهنا وجوب العمل على

326

العبد الثاني يبتني على استظهار نكتة عرفاً من أمر المولى عبده الأوّل بأن يأمر العبد الثاني، وهي أن يقال: إنّ هذا ظاهرٌ عرفاً في منح مقام الآمريّة والولاية للعبد الأوّل على العبد الثاني، فإن تمّت هذه النكتة عرفاً وجب على العبد الثاني أن يأتي بذلك الفعل، مع فرقين بين هذا الاحتمال والاحتمالين السابقين: أحدهما: أنّه إنّما يجب عليه الفعل لو أمره العبد الأوّل، بينما في الاحتمالين السابقين يجب عليه الفعل مطلقاً. والثاني: أنّه إنّما يجب عليه الفعل في هذا الفرض من باب كونه إطاعةً للعبد الأوّل، بينما في الاحتمالين السابقين كان يجب عليه الفعل لا بهذا العنوان.

الاحتمال الرابع: أن يكون غرض المولى كامناً في مجموع أمر العبد الأوّل وفعل العبد الثاني، وذلك بأحد شكلين:

الأوّل: أن يكون المجموع المركّب من أمر العبد الأوّل وفعل العبد الثاني دخيلا في حصول الغرض، بأن يكون كلّ واحد منهما ركنين عرضيّين لما هو متّصف بالملاك. وعليه فيجب على العبد الثاني الفعل لو صدر الأمر من العبد الأوّل؛ إذ لو لم يصدر منه الأمر لما أفاد هذا الفعل؛ لعدم كفايته وحده في حصول الغرض، ولو صدر منه الأمر كان هذا الفعل مفيداً في حصول الغرض والملاك. وبما أنّ هذا الملاك كان إلزاميّاً موجباً لإيجاب المولى الركن ـ وهو أمر العبد الأوّل ـ فالمستظهر عرفاً بالملازمة هو وجوب الركن الثاني أيضاً.

الثاني: أن يكون أمر العبد الأوّل ذا ملاك ويكون من شرط اتّصاف فعل العبد الثاني بالملاك، فأيضاً يجب على العبد الثاني الفعل لو أمره العبد الأوّل(1).


(1) فإنّه بناءً على أن يُستظهر من الأمر بالأمر ثبوت الملاك في الفعل ـ ولو بأن يكون نفس الأمر موجباً لاتّصاف الفعل به ـ تكون لهذا الأمر دلالة التزاميّة عرفيّة على كونه بمرتبة إلزام العبد الثاني بالفعل.

327

 

المستظهر عرفاً من بين الاحتمالات:

والمستظهر عرفاً من بين هذه الاحتمالات إنّما هو أحد الاحتمالين الأوّلين، فإنّه إن لم نقل: إنّ الظاهر عرفاً من الأمر بالأمر كونه أمراً موجّهاً إلى العبد الثاني رأساً مع أمر العبد الأوّل بإيصاله إليه، فلا أقلّ من استظهار كونه أمراً بالأمر طريقاً إلى حصول الفعل من العبد الثاني، فيجب على العبد الثاني الفعل ولو لم يصله الحكم من طريق العبد الأوّل(1).

 


(1) ذكر السيّد الخوئيّ(رحمه الله) ـ على ما في تقرير الشيخ الفيّاض ـ ثمرةً للبحث في المقام، وهي ثبوت شرعيّة عبادات الصبيّ بمثل ما ورد من قولهم(عليهم السلام): «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين».

أقول: لو قَصد بمشروعيّة عبادة الصبيّ مجرّد كونها محبوبة لله ولو بملاك التمرين فهذا ممّا لا كلام فيه. وإنّما الكلام الفقهيّ يدور حول كون صلاة الصبيّ كصلاة البالغ في الملاك والآثار ما عدا الوجوب.

ولو قَصد بمشروعيّته كونها كصلاة البالغ حتّى يترتّب على ذلك مثلا جواز الاقتداء به ـ بغضّ النظر عن روايات الاقتداء بالصبيّ المتعارضة ـ وجواز نيابته وتبرّعه عن الغير ـ بناءً على القول بانصراف إطلاق دليل النيابة والتبرّع إلى من تكون عباداته مشروعة. أمّا بناءً على الإطلاق وعدم الانصراف فلا حاجة في تصحيح النيابة والتبرّع إلى إثبات مشروعيّة عباداته ـ وعدم وجوب الإعادة والاستيناف على الصبيّ إذا بلغ في أثناء الوقت بعد انتهائه من الصلاة أو في أثناء الصلاة، أقول: لو قصد بمشروعيّة عباداته شيئاً من هذا القبيل فبحث دلالة الأمر بالأمر على مأموريّة العبد الثاني بالعمل لا يدلّ على ذلك؛ إذ غاية ما يدلّ عليه كون فعل العبد الثاني مأموراً به أو محبوباً، وهذا ينسجم في المقام مع

328


فرض كونه مأموراً به أو محبوباً بملاك التمرين لا بنفس ملاكات صلاة البالغ.

ولا بأس بهذه المناسبة أن أتكلّم عمّا إذا بلغ الصبيّ في أثناء الوقت بعد الصلاة أو في أثنائها. فقد يقال بعدم وجوب الإعادة والاستيناف؛ وذلك بدعوى: أنّ تقييد الهيئة بالبلوغ لا يستلزم تقييد المادّة به، بناءً على أنّ فعليّة الوجوب لا تسقط بالامتثال وإنّما تسقط فاعليّته. فمقتضى إطلاق المادّة أنّه إذا بلغ في أثناء الوقت فقد وجب عليه مطلق الصلاة فيما بين الحدّين وقد أتى بها، فلا فاعليّة لهذا الوجوب من حين تكوّنه، ونحن نؤمن بأنّ تقييد الهيئة يستلزم تقييد المادّة فيما إذا لم يتصوّر معنى معقول لانسحاب الوجوب على تلك الحصّة من المادّة المقترنة بفقدان القيد، وذلك كما في فرض عدم البلوغ إلى انتهاء الوقت.

وتوضيح المقصود: أنّه تارةً نفترض أنّ الوجوب أو مفاد الأمر يدخل في حقيقته قابليّة التحريك، بمعنى أن يكون محرّكاً لكلّ من هو مستعدّ للامتثال. وعليه فتقييد الهيئة يسري إلى المادّة دائماً ولا يمكن عدم السراية؛ إذ لو لم يسر إليها وأتى العبد بالمادّة قبل حصول القيد، كان إطلاق المادّة مساوقاً لفقدان الأمر لفاعليّته من حين وجوده، وهذا خلف كون التحريك أو قابليّة التحريك داخلا في حقيقة مفاد الأمر وهويّته. وبناءً على هذا فمقتضى القاعدة عدم اجتزاء الصبيّ إذا بلغ في أثناء الوقت بصلاته قبل بلوغه.

واُخرى نفترض أنّ الداخل في حقيقة الأمر هو عبارة عن قابليّته للتحريك على تقدير عدم كون العبد قد أتى بالفعل قبل الأمر. وعلى هذا فمتى ما كان عدم سراية قيد الهيئة إلى المادّة موجباً لسقوط الأمر عن قابليّة التحريك، حتّى على تقدير عدم كون العبد قد أتى بالفعل قبل الأمر، فلا محالة يسري القيد إلى المادّة، وذلك كما في فرض عدم البلوغ إلى انتهاء الوقت، فإنّه لو بلغ بعد ذلك في خارج الوقت لم يكن الأمر بالصلاة السابقة قابلا

329


لتحريكه حتّى على تقدير عدم إتيانه بالفعل قبل الأمر.

وهذا بخلاف ما لو بلغ في أثناء الوقت، فإنّ أمره بالصلاة مع عدم سريان قيد الهيئة ـ وهو البلوغ ـ إلى المادّة قابلٌ لتحريكه على تقدير عدم إتيانه بالفعل قبل الأمر، فإذا اكتفينا بهذا المقدار من قابليّة التحريك في حقيقة الأمر تأتّى القول بسقوط الصلاة عمّن صلّى ثُمّ بلغ في أثناء الوقت، وعدم وجوب الاستيناف عليه لو بلغ في أثناء الصلاة.

إلاّ أنّ هذا الكلام لو صحّ ثبوتاً ـ أي: صحّ القول بكفاية هذا المقدار من قابليّة التحريك في حقيقة الأمر ـ فلا ينبغي الإشكال في ظهور الأمر عرفاً في كون المطلوب صلاة جديدة غير ما صلاّها سابقاً في فرضين:

الأوّل: لو كان الأمر بالصلاة متوجّهاً بنحو القضيّة الخارجيّة إلى من يعلم المولى أنّه قد صلّى قبل هذا الأمر.

الثاني: لو لم يحدّد المولى للفعل المأمور به وقتاً خاصّاً كما لو قال: (إذا بلغت فصلّ)أو (إذا استطعت فحجّ)، فلا إشكال في ظهور ذلك في وجوب صلاة وحجٍّ بعد البلوغ والاستطاعة ولو صلّى أو حجّ قبل ذلك، وهذا يعني أنّ سريان القيد من الهيئة إلى المادّة في هذا الفرض عرفيّ على أقلّ تقدير.

نعم، لو حدّد المولى وقت العمل بفترة كان بعضها واقعاً قبل تحقّق القيد، فقد يدّعى عدم ظهور الأمر في إرادة خصوص الفرد الذي يتحقّق بعد القيد، وذلك كما هو الواقع بالنسبة للصلاة التي حدّد وقتها بما بين الحدّين، فإذا بلغ في الأثناء فقد وقع بعض الوقت قبل البلوغ، فلو استظهرنا في هذا الفرض إطلاق المادّة لم يجب على الصبيّ الإعادة. ولو قلنا بالإجمال أيضاً لم يجب عليه الإعادة؛ وذلك لجريان البراءة مع فرض الإجمال.

ثُمّ إنّ السيّد الخوئيّ(رحمه الله) ذكر ـ على ما في تقرير الشيخ الفيّاض ـ: أنّه لا يمكن إثبات

330


شرعيّة عبادة الصبيّ بعموم أدلّة التشريع، بدعوى: أنّ حديث رفع القلم ـ باعتباره امتنانيّاً ـ إنّما رفع الإلزام والوجوب، فأصل المحبوبيّة باقية على حالها؛ وذلك لأنّ الاعتبار المستفاد من الأمر بعد أن ارتفع بحديث الرفع لم يبق ما نستكشف به المشروعيّة والمحبوبيّة، فهذا يحتاج إلى دليل جديد.

أقول: إنّ هذا الكلام في غاية المتانة بناءً على مبنانا من كون الوجوب مفاداً للأمر. أمّا على مبناه من أنّ الأمر إنّما يدلّ على مطلق اعتبار الفعل في ذمّة المكلّف، وأنّ الوجوب ينتزعه العقل لو لم يقترن الأمر بالترخيص في الخلاف، فمن المحتمل كون هذا الرفع الامتنانيّ ناظراً إلى رفع الوجوب دون رفع أصل الاعتبار.

ولا يقال: إنّ الوجوب غير قابل للرفع باعتباره غير شرعيّ بحسب الفرض.

فإنّه يقال: إنّ الوجوب قابل للرفع بإفناء منشأ انتزاعه، ومنشأ انتزاعه عبارة عن مجموع أمرين: أحدهما الأمر بالفعل، والثاني عدم الترخيص في الخلاف. والقدر المتيقّن هو إفناء الثاني، فنتمسّك بإطلاق دليل الأمر في إثبات أصل المشروعيّة والمحبوبيّة مع الجزم بعدم الوجوب.

فإن قلت: إنّ التعبير برفع القلم ينصرف إلى رفع قلم التشريع، والمشرَّع إنّما هو الأمر لا الوجوب على ما هو المفروض من أنّ الوجوب أمر ينتزعه العقل.

قلت: كون المشرَّع إنّما هو الأمر وعدم كون الوجوب مشرَّعاً وإن كان صحيحاً فلسفيّاً وعقليّاً بحسب مبنى السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، ولكن يُفترض عرفاً الوجوب كأنّه شيء جاء من قِبَل الشريعة، وكأنّ القلم كتب الوجوب علينا عن طريق مجموع أمرين: أحدهما الأمر، والثاني عدم الترخيص، ويكون التعبير عن رفع الوجوب برفع القلم عرفيّاً ومعقولا.

331

الأوامر

الفصل الثالث عشر

 

 

الأمر بعد الأمر

 

 

 

333

 

 

 

 

 

إذا كرّر الأمر بشيء مع وحدة الشروط فهل يحمل على التأكيد، فلا يأتي العبد بالفعل إلاّ مرّة واحدة، أو على التأسيس، فيأتي العبد بالفعل مرّتين؟

ذكر صاحب الكفاية(رحمه الله): أنّه يقع التعارض بين ظهور الهيئة وظهور المادّة؛ فإنّ الهيئة ظاهرة في وجوب جديد، بينما المادّة بإطلاقها تقتضي كون الواجب هو ذات الطبيعة لا بقيد مرّة اُخرى، ويستحيل اجتماع أمرين على ذات الطبيعة، فهذا يوجب التأكيد. والنتيجة في المقام هي الحمل على التأكيد تطبيقاً لظهور المادّة؛ لأنّ الهيئة حينما تكرّرت بشكل متماثل ـ والتكرار المتماثل يناسب التأكيد ـ أصبحت(1) مجملة من حيث التأسيس والتأكيد، فيرجع إلى ظهور المادّة في كون المأمور به ذات الطبيعة، فيثبت التأكيد.

أقول: إنّ تحقيق الكلام في هذا المقام هو أنّ هيئة الأمر إنّما تدلّ على الوجوب، ولا تدلّ على أنّ هذا الوجوب تأسيس لا تأكيد؛ فإنّها لم توضع لخصوص وجوب لم يُكشَف قبل ذلك، ولهذا لو أمر شخص عبده بشيء كان قد أمره به قبل ذلك لأجل التأكيد لم يكن ذلك استعمالا مجازيّاً. نعم، قد يقال بدلالة سياقيّة وحاليّة للمتكلّم ـ بلحاظ حال المتكلّم ـ على كونه في مقام التأسيس


(1) يقول صاحب الكفاية(رحمه الله): أصبحت ظاهرة في التأكيد، ولعلّ مقصوده أنّها تفسَّر بظهور المادّة.

334

لا التأكيد، وذلك حينما يصدر من المتكلّم كلام مشتمل على جملتين، والجملة الثانية تنسجم مع معنى تأسيسيّ ومع تأكيد نفس الجملة الاُولى، وكانت نسبتها إليهما على حدّ سواء، فحينئذ يقال: إنّ الكلام ظاهر في التأسيس بدلالة سياقيّة؛ لأنّ التأكيد حالة استثنائيّة.

وهذا الكلام لا يمكن تطبيقه على المقام، فإنّ الأمر الثاني إمّا أن يُذكر متّصلاً بالأمر الأوّل بحيث يمكن عطفه عليه بالواو، أو يذكر منفصلا عنه، فإن ذُكر منفصلا عنه لم يكن له ظهور في التأسيس في مقابل الأمر الأوّل باعتبار ذلك الظهور الحاليّ؛ وذلك لأنّ ظهور حال المتكلّم إنّما هو التأسيس بلحاظ كلام واحد لا بلحاظ كلامين. وهذا ثابت في المقام، فإنّ هذا الأمر بلحاظ هذا الكلام تأسيس وليس تأكيداً.

وإن ذُكر متّصلاً به فإن عطفه عليه بالواو كان نفس العطف بالواو قرينة على التأسيس. وإن لم يعطفه عليه بالواو كان نفس عدم العطف بالواو قرينة عرفاً على التأكيد، حيث إنّ هذا اُسلوب متّبع عند العرف للتأكيد، وهو ذكر ما يناسب كونه تأكيداً لما سبق وترك العطف، ومتى ما كان كذلك يحمل عرفاً على التأكيد.

فقد تحصّل في المقام: أنّ الصحيح هو الحمل على التأكيد.