المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

310

يعاقب الآخرون؛ لأنّهم لم يتركوا تركاً مقترناً بترك غيرهم. ولو فعلوا جميعاً معاً فقد امتثلوا؛ لأنّهم لم يأتوا بتلك الحصّة من الترك. ولعلّ لسان الإيجاب الكفائيّ صياغة عرفيّة لإيصال هذه التحريمات، أعني: تحريم الترك الجمعيّ على كلّ واحد منهم، أو إيجاب سدّ بعض أبواب العدم وهو العدم المقترن بترك الآخرين.

وأمّا الفرضيّة الثانيةـ وهي: تعلّق الوجوب بمجموع المكلّفين ـ: فلذلك تصويران:

التصوير الأوّل: أن يُفرض تعلّق الأمر بالمجموع، بمعنى كون المطلوب اشتراك تمام الأفراد في تلك العمليّة الواحدة، من قبيل الأمر المتوجّه إلى مجموع عشرة أشخاص بدحرجة حجر ثقيل لا يمكن لأحدهم وحده دحرجته مثلا. وهذا مرجعه بحسب الحقيقة إلى توجّه أمر إلى الجميع على نحو الاستغراق لا المجموعيّة، إلاّ أنّ المأمور به ليس هو ذلك الفعل ـ وهو دحرجة الحجر مثلا ـ بل المساهمة في ذلك الفعل، فالمأمور به في مثال دحرجة الحجر هو دفع كلّ واحد منهم هذا الحجر بحسب قدرته، لكي تتجمّع قوى الدفع على هذا الحجر فيتدحرج من مكانه.

والوجوب الكفائيّ لا يمكن تفسيره بهذا التفسير، فإنّه:

أوّلا: قد يكون الفعل الواجب ممّا لا يمكن اشتراك المكلّفين جميعاً فيه، فلئن كان الدفن ـ مثلا ـ بالإمكان اشتراك عديدين فيه، فالصلاة على الميّت ـ مثلا ـ لا يمكن ذلك فيها بأن يأتي كلّ واحد منهم بجزء من الصلاة مثلا.

وثانياً: أنّه حتّى فيما يُفرض إمكان اشتراك الكلّ فيه، لو أتى به بعض سقط عن الكلّ لا محالة ولم يكن عليهم عقاب، بينما مقتضى هذا الوجه خلاف ذلك؛ إذ المطلوب كان اشتراك كلّ واحد منهم في العمليّة ولم يتحقّق ذلك.

التصوير الثاني: أن يُفرض تعلّق الأمر بمركّب ارتباطيّ يكون كلّ واحد من المكلّفين جزءاً من هذا المركّب الارتباطيّ قياساً على متعلّقات الحكم الارتباطيّة، من قبيل تعلّق الوجوب بالصلاة التي هي بالرغم من تعدّد ما فيها من