بيانات

البيان (83) بيان سماحة آية الله العظمى السيّد كاظم الحسينيّ الحائريّ (دام ظلّه الوارف) بشأن الصراعات بين الكتل السياسيّة القائمة والتي لا تأتي إلّا بالشرّ للعراق والاُمّة


بسم الله الرحمن الرحيم

قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): «أمّا بعد: فإنّ معصية الناصح الشفيق العالم المجرّب تورِثُ الحسرة، وتعقبُ الندامة...».

نهج البلاغة (صبحي الصالح): 80.

يا أبناء شعبي الغيور المظلوم.. ويا جماهير اُمّتي المضطهدة من قبل ساستها.. اُحيّيكم وأنتم تخوضون الدفاع عن حريم الوطن، واُكبر في أبنائي في الحشد الشعبيّ المقدّس وقوّات جيشنا الباسل روح البذل والتضحية في سبيل عزّة دينهم وكرامة بلدهم في وقت يقف الكثير من رجال السياسة وأصحاب القرار فيه موقف المتفرّج.. واعلموا أبنائي الأكارم: أنّ أباكم ليتحسّس الصعاب المحيطة بكم، ويقاسمكم ألم المحنة التي تعصف ـ وللأسف الشديد ـ ببلدكم، فإنّها أزمة خانقة تكاد تكون من أشدّ وأعقد الأزمات فيما بعد سقوط الطاغية إلى اليوم.. تتمظهر بتوتّر سياسيّ، وفساد حكوميّ وإداريّ، وغفلة أو تغافل عمّا يريده بكم أعداؤكم، وصراع لأجل المصالح بين الكتل السياسيّة الحاكمة امتدّت أطرافه إلى الساحات والشوارع حتّى بلغ قبّة البرلمان.. تأجّج في أجواء الفراغ الذي خلّفه تخلّي أصحاب المسؤوليّة عن تبنّي مهمّة التصدّي لمناشئ الفساد، وحماية الوطن من أن ينجرّ إلى ما انجرّ إليه، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

يا أبناء قومي وعشيرتي.. إنّ مرجعيّتكم لن توجّه إرشاداتها ونصحها إلّا لأبنائها البررة.. الصفوة الطاهرة من عامّة الاُمّة والقطّاع الواسع من الشعب الكريم الذي كان وما زال الاُذن الصاغية ويد المرجعيّة الضاربة، فإنّ هذا القطّاع المؤمن المضحّي هو محطّ أملنا وموضع رجائنا في الوقوف بوجه الفساد وتحقيق مشروع الإصلاح المرجوّ للمرجعيّة، لا السياسيّين والحكوميّين الذين دأبهم اقتطاع ما يحقّق مصالحهم من نصائح وتوصيات المرجعيّة، ويعرضون عمّا كان في صالح الاُمّة ممّا لا يجرّ لهم نفعاً.. ومن هذا المنطلق كنّا نتحسّس الأحداث عبر متابعاتنا لما يجري على ساحة الوطن العزيز في الأيّام الأخيرة إلى حين أن اكتملت الرؤية وتمّت القناعة، فأصدرنا هذا البيان الذي طالبنا به قطّاع واسع من أبنائنا البررة.. فها نحن نخاطبهم بقلب ملؤه الألم وبروح يعتصرها الحزن والأسف على ما يجري في ربوع الوطن من صراعات لا نرى فيها أيّ مصلحة للشعب الذي تتجاذبه ـ وللأسف الشديد ـ قوى منتفعة تكرّس له ظلامته، وتديم له حرمانه.. مكّنت الأعداء من أن يحقّقوا ما لم يكن يمكنهم تحقيقه، فقد استبشرت السعوديّة وجبهة الاستسلام العربيّة بالشعارات التي اُطلقت ضدّ محور المقاومة من قبل المندسّين من البعثيّين الذين كان لهم الدور في هداية بعض الصراعات، وأعلنت أمريكا جهاراً عن إرسال قوّات برّيّة، وقوّات المارينز والمدفعيّة، وطائرات الاباتشي إلى العراق، وهو ما لم تستطع أمريكا حتّى البوح به لو لا تشتّت الصفّ الإسلاميّ والوطنيّ، وأعلنت تركيا عن إبقاء قوّاتها في الموصل، وهو ما عجزت الحكومة العراقيّة ـ بسبب الضعف الناتج عن الصراعات القائمة ـ حتّى عن متابعة الاحتجاج الدوليّ ضدّه، وبدأت الأصوات تتعالى لإحياء مشروع الحرس الوطنيّ الذي تمّ إقباره قبل أشهر.. هذا ما جنته الصراعات المفتعلة لتحقيق مصالح غير مشروعة في جوّ من السكوت والتواطؤ مع الوجود الأجنبيّ على الساحة العراقيّة يكون المتضرّر الأوّل فيه هو العراق وشعبه الذي تعصف به المحنة تلو الاُخرى على إثر سياسات قياداته السياسيّة اللامخلصة له..

فيا قادة الكتل السياسيّة.. ويا صنّاع القرار من برلمانيّين وسياسيّين وحقوقيّين وحكوميّين وقضاة.. كفاكم ما جنيتموه في حقّ هذا البلد من دمار وانهيار، وما حلّ بأبنائه المظلومين بسببكم من محن ومصائب وهو يقاتل دفاعاً عن أعراضكم وأموالكم وأمنكم، بل هو الذي أوصلكم لمناصبكم.. الله الله في عرض هذا الشعب وماله ودمه، فإنّ ظلمه من أعظم المعاصي وأقبح الذنوب.

يا أبنائي وأعزّتي.. يا شعب آبائي وأجدادي.. اُكرّر لكم اليوم ما ذكرت مضامينه لكم سابقاً، واعلموا: أنّ معصية الناصح الشفيق، العالِمِ الُمجرّب تُورِثُ الحسرَةَ، وتُعْقِبُ الندامَة.. فيا أحبّتي: إنّ القوّة معكم ولكم وفيكم ما دمتم على بصيرة في اُموركم، ودراية بما يجري حولكم، ومعرفة بنوايا أعدائكم، وقد قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): «فَليَنْتَفِع امْرؤٌ بِنَفْسِهِ، فَإنَّمَا البَصيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ، وَنَظَرَ فَأَبْصَرَ، وانتَفَعَ بِالعِبَرِ، ثُمَّ سَلَكَ جدَداً واضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصرعَةَ في المَهاوي، والضَلالَ في المَغاوي». نهج البلاغة (صبحي الصالح): 214.

فليكن لكم الوعي الكافي، واليقظة والبصيرة اللازمتان، والحضور الفاعل في الساحات المختلفة من الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة بنحو يمنع معه الآخرين عن استغلال وجودكم أو اختراق صفوفكم، ولا تخشوا أحداً في التصريح بحقّكم، فإن سكتّم، وتثاقلتم، وتغافلتم، فستجري الاُمور كما ترونها الآن، ويتطاول عليكم عدوّكم بلا خوف ووجل، ويصبح بلدكم ميداناً تصول فيه أمريكا وتجول أذنابها من الفاسدين والمنتفعين والبعثيّين وغيرهم.

«اللّهُمَّ إِنَّا نَشْكُوا إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وآلِهِ، وغَيْبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدَّةَ الْفِتَنِ بِنا، وتَظَاهُرَ الزَمانِ عَلَيْنا، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأعِنَّا عَلَى ذلِكَ بِفَتْح مِنكَ تُعَجِّلُهُ، وَبِضُرٍّ تَكْشِفُهُ، وَنَصْر تُعِزُّهُ، وسُلْطانِ حَقٍّ تُظْهِرُه». ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

28 / رجب / 1437 هـ

كاظم الحسينيّ الحائريّ