بيانات

بيان (۹٥) بيان سماحة آية الله العظمى السيّد كاظم الحسينيّ الحائريّ ـ دام ظلّه الوارف ـ بشأن أحداث البصرة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال عزّ مِن قائل: ﴿وَاتّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبنّ الذِينَ ظلَمُوا مِنكُم خَاصّةً وَ اعلَمُوا أَنّ الله شدِيدُ الْعِقَابِ﴾. الأنفال: ٢٥.

وروي عن مولانا أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أنه قال يوم السقيفة: « إِنَّ لَنَا حَقّاً، إِنْ نُعطَهُ نأْخُذهُ، وَإِنْ نُمْنَعْهُ‏ نَركَبْ‏ أَعجَازَ الإِبِلِ وَإِن طَالَ السُّرَى». الفائق في غريب الحديث للزمخشري: ج‏٢، ص٣٣٦.

يا أبناءنا الغيارى في العراق وأهلينا في محافظة البصرة.. انّه من الحقّ المشروع لكم المطالبة بحقوقكم وليّ آذان المسؤولين الذين أبت آذانهم عن أن تسمع صرخاتكم، وتتحسّس آلامكم، بل انتُزع الإنصاف والحياء عن قلوبهم وأرواحهم تجاه الضعفاء من شعبهم واُسر الشهداء من بلادهم.. وقد دعوتهم في بياناتي للعمل لصالح شعبهم كثيراً، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً، وأصرّوا على فسادهم، وتهاتراتهم السياسيّة واستكبروا استكباراً.. فمن حقّ هذه الاُمّة الممنوعة عن أبسط مقوّمات الحياة أن تطالب بحقوقها، وتهتف بوجه ظالميها أن يرفعوا يد الجور عنها اقتداءً بما ورد في مقالة أمير المؤمنين ـ عليهم السلام ـ الآنفة من أنه: إن مُنعنا حقّنا، ركبنا مَركَب المشقّة صابرين عليه وإن طال الأمَد.. وبكلام له آخر: « إِنَّ الله كَتَبَ‏ الْقَتْلَ‏ عَلَى‏ قَوْمٍ‏ وَ الْمَوْتَ عَلَى آخَرِينَ وَ كُلٌّ آتِيهِ مَنِيَّتُهُ كَمَا كَتَبَ الله لَهُ، فَطُوبَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله، وَالْمَقْتُولِينَ فِي طَاعَتِهِ». وقعة صفين لنصر بن مزاحم: 111.

وفي الوقت الذي اُعلن فيه عن حزني وعزائي وأسفي البليغ للدماء التي اُريقت ظلماً، لأنّ إراقتها من أعظم المحرمات وأشدّ المعاصي، وممّا وعد الله تعالى عليه النار، وللخسائر في الممتلكات العامّة والخاصّة والتعدّي على الحرمات التي جعلها الله تعالى آمنة.. اُعلن لأبنائي وقومي: أنّ هذه الأعمال لن يبررها شيء.. ولا تُصحّح بحجّة المطالبة بالحقوق وإصلاح الوضع الحياتيّ المتردّي.. فإنّ معصية الله وطريق جهنّم لا يصلح لأن يكون طريقاً للإصلاح والمطالبة بالحقوق. فلابدّ من مراعاة الموازين الشرعيّة وتجنّب العنف بكلّ أشكاله، واعتماد مسيرات حضاريّة، واحتجاجات سلميّة حاشدة مستمرّة بقوّة، ترهب الأعداء وتسرّ الصديق.

فيا من تحلّ به عقد المكاره، ويامن يفثأ به حدّ الشدائد.. قد نزل بي يا ربّ ما قد تكأدني ثقله، وألم بي ما قد بهظني حمله.. فصلّ على محمد وآله، وافتح لي يا ربّ باب الفرج بطولك ، واكسر عنّي سلطان الهمّ بحولك، وأنلني حسن النظر فيما شكوت، وأذقني حلاوة الصنع فيما سألت.

واُحذّر كافّة أبناء شعبي وأهلي من كيد بقايا البعثيّين وفلولهم ورجال (داعش) ومسانديهم في جبهة الاستكبار العالميّ الصهيونيّ، فإنّهم ـ يا أبنائي ـ يتربّصون بكم الدوائر، ويتحيّنون الفرص، وقد أعدوا عدّتهم، ووجدوا في محنتكم ومأساتكم هذه فرصة لجرّكم إلى فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة، بل يعمّ بلاؤها البلاد والعباد في إراقة الدماء البريئة، وحرق وإتلاف المال العامّ أو الخاصّ، أو التعدّي على الآمنين وممتلكاتهم، ففي خضمّها تضيع مطالباتكم الحقّة، بل تدخل أبناء بلدنا في اقتتال الإخوة، وشقّ الصف الوطنيّ المتراصّ لهذا اليوم.. فلابدّ من الوعي والحذر البالغ واليقظة الكافية، وعلى علماء الحوزة العلميّة المباركة ممارسة مسؤوليّاتهم الشرعيّة في هذه المحنة العصيبة، فقد ورد عن الصادقين ـ عليهم السلام ـ أنّهم قالوا: «إذا ظهرت البدع، فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سُلب نور الإيمان». علل الشرايع: ج١ ، ص ٢٣٦. وعلى المؤمنين الکرام إطاعتهم والأخذ بإرشاداتهم، فإنّ في إطاعتهم السداد والرشاد وبلوغ الأسباب.

فيا من تحلّ به عقد المكاره، ويامن يفثأ به حدّ الشدائد.. قد نزل بي يا ربّ ما قد تكأدني ثقله، وألم بي ما قد بهظني حمله.. فصلّ على محمد وآله، وافتح لي يا ربّ باب الفرج بطولك، واكسر عنّي سلطان الهمّ بحولك، وأنلني حسن النظر فيما شكوت، وأذقني حلاوة الصنع فيما سألت.

۲٦/ ذي الحجة/ ۱٤۳۹هـ

كاظم الحسينيّ الحائريّ