المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

506

الجري على خلاف مقتضى العبوديّة، وليس ذلك نتيجةً للمبغوضيّة، بل القبح والمبغوضيّة كلّ منهما ملاك على حدة لبطلان العبادة غير مربوط أحدهما بالآخر، فالجمع بينهما في هذا الكلام خلط بين ملاكين مختلفين من حيث الموضوع والأثر والخصوصيّة.

وعلى أ يّة حال فلا ينبغي الإشكال في صحّة الملاك الأوّل في نفسه، ولكن المحقّق الإصفهانيّ (رضوان الله عليه) أورد على ذلك في حاشيته على الكفاية: بأنّه إن كان المراد بكون المبعّديّة والمقرّبيّة ضدّين هو الضدّيّة بلحاظ ذات القريب أو البعيد، بمعنى أنّ الشيء الواحد لا يمكن أن يكون قريباً وبعيداً إلى شيء خاصّ ولو بأمرين، بأن يكون المقرّب له غير المُبعّد، نظير ما نرى في القُرب والبُعد المكانيّين من استحالة ذلك، كان اللازم القول ببطلان العبادة بمجرّد كون العابد مشغولا حين عبادته بعمل آخر يكون معصية للمولى، وهذا واضح البطلان.

وإن كان المراد بذلك ضدّيّتها بلحاظ وحدة المقرّب والمبعّد، أي: إنّه لا يمكن أن يكون شيء واحد مقرّباً ومبعّداً، فالمضادّة مسلّمة لكنّا نمنع فيما نحن فيه وحدة المقرّب والمبعّد، فإنّ الأمر تعلّق بالطبيعة والنهي تعلّق بالفرد بخصوصيّته، فالمقرّب هو الطبيعة والمبعّد هو الفرد بخصوصيّته. هذا ما أفاده المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله)(1).

ولا يخفى أنّ ذلك متابعةٌ لما يقال في وجه عدم استحالة اجتماع الأمر والنهي: من أنّ الأمر تعلّق بالطبيعة والنهي بالفرد، ولا يسري أحدهما إلى موضوع الآخر، في حين أنّه لو تمّ هذا الكلام هناك لا يتمّ هنا؛ وذلك لإمكان أن يقال هناك بجواز الاجتماع من ناحية أنّ الأمر تعلّق بصورة الطبيعة القائمة في نفس المولى، والنهي


(1) لم أرَ ذلك في تعليقته على الكفاية.