المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

395

وقد قيل في توجيه دخل العرف بأنّ العقل هو الذي يحكم بأنّه لا يجوز اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد، وأمّا أنّ هذا هل هو شيء واحد أو لا، فالنظر العرفيّ فيه قد يختلف عن النظر الدقّيّ.

وأشكل عليه الأصحاب ـ كالسيّد الاُستاذ وغيره ـ بأنّ هذا مرجعه إلى تشخيص المصداق، وفي باب تشخيص المصداق النظر العرفيّ ليس حجّةً، وإنّما النظر العرفيّ حجّة في تشخيص مدلول اللفظ، فمثلا لو عرفنا بحكم العرف أنّ الصعيد اسم لخصوص التراب أخذنا به، ولا نأخذ بتشخيصه أنّ هذا ترابٌ أو لا.

وهذا الذي قالوه صحيح في نفسه، فإنّ العرف غير حجّة في المصاديق ولكنّ العرف بمعنى العقل المسامحيّ والممزوج بالاستحسانات والأذواق الاجتماعيّة قد يدرك الملازمات والاُمور الواقعيّة بنحو يخالف المُدرَك بالدقّة العقليّة، فقد يدرك تلازماً بين شيئين لا يرى العقل الدقّيّ تلازماً بينهما، وهذا الدرك العرفيّ قد يكوِّن دلالةً التزاميّةً عرفيّة للألفاظ وتكون حجّة.

فمثلا العرف يرى أنّ مطهّريّة الشيء تستلزم طهارته، بينما لا يرى العقل تلازماً من هذا القبيل، وهذا يثبت دلالةً التزاميّة عرفيّة لدليل مطهّريّة الماء على طهارته وتكون حجّة. والعرف يرى تنافراً بين أن يكون الماء الواحد نصفه نجساً وأن يكون نصفه طاهراً، بينما العقل المحض لا يرى تنافراً بين الأمرين، وهذا يجعلنا نستدلّ بدليل نجاسة بعض الماء على نجاسة البعض الآخر بالدلالة الالتزاميّة العرفيّة.

ففي المقام أيضاً من المعقول أن يقال بوجود التنافر بين الأمر والنهي على شيء واحد عرفاً ولو لم يثبت التنافر عقلا، وهذا يوجب دلالةً التزاميّة عرفيّة لدليل كلّ من الأمر والنهي على نفي الآخر فيتعارضان، إذن فهناك معنى معقول للبحث عن الإمكان والامتناع العرفيّ. نعم، أثر ذلك إنّما يظهر فيما لو كان الدليل على