المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

377

إلى هنا قد أثبتنا ـ مع التحفّظات التي مضت ـ جواز اجتماع الأمر والنهي على عنوانين بعدم الفناء الحقيقيّ للعنوان في المعنون. والآن نتنزّل عن هذا ونفترض الفناء لكن غاية ما يمكن أن يتنزّل إليه هي افتراض أنّ الذهن يدرك الخارج بواسطة الصورة الذهنيّة، فكأنّه انتقل من رؤية العنوان إلى رؤية المعنون وعندئذ نقول: إنّه رغم هذا التنازل يكون تعدّد العنوان كافياً في رفع الغائلة بلا حاجة إلى إثبات تعدّد المعنون بالدقّةِ، وهذا خلافاً للآخَرين، فإنّه إذا فسّرنا الفناء بهذا التفسير، أي: إنّه يُرى العنوان أوّلاً وبواسطته يُرى المعنون، فمن الواضح أنّه إنّما يُرى المعنون بمقدار ما يحكي عنه العنوان لا بالمقدار الموجود في الخارج، وعندئذ نقول: إنّ هذه العناوين تنقسم إلى قسمين: عناوين ذاتيّة، وعناوين انتزاعيّة. والأوّل له قسمان:

الأوّل: عناوين ذاتيّة نوعيّة، أي: ما هو تمام الماهيّة، كعنوان الإنسان بالنسبة لأفراده، فهو يحكي تمام ماهيّة الوجود الخارجيّ.

والثاني: عناوين ذاتيّة جنسيّة وفصليّة، كالحيوان أو الناطق بالنسبة لأفراد الإنسان، فعنوان من هذا القبيل يفنى في الوجود الخارجيّ لا بمعنى إراءته لتمام الوجود الخارجيّ لزيد مثلا، بل بمعنى إراءته حيثيّة ضمنيّة لهذا الوجود، فالوجود الخارجيّ وإن كان لا يتبعّض في الخارج ولكنّه يتبعّض في الذهن وفيما دخل إليه من عالم الإدراك، فأحياناً لا يُرى الوجود الخارجيّ بتمام حجمه؛ إذ من الضروريّ أنّ ما يراه الذهن بالإنسانيّة يختلف عمّا يراه الذهن بالحيوانيّة، إذن فلا محذور في أن يتعلق الأمر بأحد العنوانين والنهي بالعنوان الآخر.

وأمّا العناوين العرضيّة الانتزاعيّة ـ مثل التقدّم والتأخّر ـ فأيضاً يجوز فيها اجتماع الأمر والنهي على عنوانين، كأن يتعلّق الأمر بتقدّم الصلاة على التسبيح وينهى عن تقدّم الصلاة على الأكل، فقدّم المكلّف الصلاة على التسبيح و الأكل