المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

372

والجواب: إنّ الأمر إذا كان بوجوده الواقعيّ متأخّراً عن وجود الصلاة فيستحيل أن يكون العلم به محرّكاً؛ لأنّ العلم إنّما يكون محرّكاً باعتبار كاشفيّته وتنجيزه لمعلومه، والمعلوم الذي يكون في طول وجود الفعل لا يقبل التنجيز. وبتعبير آخر: العلم بالأمر الفعليّ يكون منجّزاً لا العلم بالأمر التعليقيّ، والأمر لا يكون فعليّاً إلاّ بعد تحقّق معروضه؛ فإنّ فعليّة العارض فرع فعليّة معروضه(1).

الثالث: أنّ الأحكام الشرعيّة من الصفات ذات الإضافة، والصفات التي من هذا القبيل متقوّمة في مرتبة ذاتها بالمضاف إليه، فلا يعقل ـ مثلا ـ حبّ بلا محبوب ولو في مرتبته، اذن فالمضاف إليه يجب أن يكون موجوداً بنفس وجود الصفة وفي صُقعها؛ إذ لو كان موجوداً بوجود مستقلّ لكانت الإضافة عرضيّة قابلة للانفكاك بحسب الذات(2).

إلاّ أنّه يقال في مقابل هذا البيان لجواز اجتماع الأمر والنهي: إنّ مجرّد التغاير في العناوين لا يكفي لرفع الغائلة؛ وذلك لأنّ الأحكام الشرعيّة وإن كانت متعلّقة في واقعها بالعناوين الذهنيّة ولكن لا بما هي هي، بل باعتبارها فانية في الخارج، ولولا فناؤها لما أحبّ المولى شيئاً من هذه العناوين، إذن فمستقرّ الأحكام في


(1) وبكلمة اُخرى: الأمر بوجوده الواقعيّ جُعل بهدف أن يصبح علّة للعلم به الذي هو علّة للعمل، فكيف يتأخّر علّة علّة العمل عن العمل تأخّر العارض عن معروضه؟!

(2) قد يدّعى أنّ معروض الأحكام هي ماهيّة العمل في صُقع التقرّر لا الوجود الخارجيّ ولا الوجود الذهنيّ، وهذا وإن كان لا يبطله الدليل الأوّل والثاني ولكن يبطله الدليل الثالث، وهو أنّ الأحكام من الاُمور الذهنيّة ذات الإضافة، فهي متقوّمة بالمضاف إليه في مرتبة ذاتها.

على أنّه لو لم يمكن إبطال ذلك لا يضرّنا؛ لأنّ الماهيّتين في ذاتهما مختلفتان، فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي أو الحبّ والبغض على مركز واحد.