المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

353

من أنّ الطبيعة توجد بوجود فرد واحد ولا تنعدم إلاّ بانعدام كلّ الأفراد، وأنّ الأمر يمتثل بفرد واحد والنهي لايمتثل إلاّ بترك كلّ الأفراد وكأنّهم ربطوا ـ ولو ارتكازاً ـ هذا البحث الاُصوليّ ببحث فلسفيّ وهو أنّ الكلّيّ الطبيعيّ هل هو موجود في الخارج بعدد الأفراد وتكون نسبته إلى الأفراد نسبة الآباء إلى الأبناء، أو أنّ نسبته إليها نسبة الأب إلى الأبناء؟

والمشهور الصحيح هو الأوّل، فيقال: إنّه على الثاني يصحّ القول بأنّ الطبيعة توجد بوجود فرد واحد ولا تنعدم إلاّ بانعدام كلّ الأفراد. أمّا على الأوّل فلا يصحّ ذلك؛ إذ ليس للطبيعة وجودٌ واحد يوجد بفرد واحد وينعدم بانعدام كلّ الأفراد، وإنّما لها وجودات كثيرة بعدد الأفراد. فإذا كان التكليف متعلّقاً بوجود واحد أمراً أو نهياً كان امتثاله بذاك الفرد فعلا أو تركاً، وإذا كان متعلّقاً بكلّ الوجودات فامتثاله يكون بفعل جميع الأفراد أو تركها بلا فرق في ذلك بين الأمر والنهي.

إلاّ أنّ هذا الربط بين البحثين في غير محلّه؛ فإنّ ما يقال في الفلسفة: من كون نسبة الكلّيّ الطبيعي إلى الأفراد نسبة الآباء إلى الأبناء إنّما هو بلحاظ الوجود الخارجيّ، أمّا بلحاظ الوجود الذهنيّ الذي هو مصبّ التكاليف ـ ولو بما هو مرآة للخارج ـ فالأمر تماماً على العكس، فالوجود الكلّيّ في الذهن الملحوظ مرآةً للخارج لا ينتفي إلاّ بانتفاء تمام الأفراد ويوجد بوجود فرد واحد، ونسبته إلى الأفراد نسبة الأب إلى الأبناء.