المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

341

ثُمّ نحن نعرف بمناسبة الحكم والموضوع وبلحاظ حال المتكلّم أنّ الأمر كان بداعي التحريك التشريعيّ، والنهي كان بداعي الزجر التشريعيّ. وهذه فرضيّة معقولة لصالح اختلاف النهي عن الأمر في المفاد من دون فرض فرق في المتعلّق.

وأمّا الكلمة الثانية ـ وهي ما ذكره السيّد الاُستاذ دامت بركاته ـ: فهي أنّ الأمر يدلّ على اعتبار الفعل في ذمّة المكلّف، والنهي يدلّ على اعتبار حرمان المكلّف عن الفعل وابتعاده عنه، لا على اعتبار تركه في ذمّته، والشاهد على ذلك ـ بناءً على مسلك العدليّة من تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد ـ أنّ الأمر يتبع مصلحة في الفعل، فالمناسب هو اعتبار الفعل في الذمّة؛ لأنّ مركز الغرض هو الفعل. والنهي يتبع مفسدة في الفعل، فالفعل هو مركز الملاك والمبغوضيّة وليس الترك هو مركز الغرض، فالمناسب هو اعتبار حرمان المكلّف عن الفعل دون اعتبار الترك في ذمّته.

أقول: أمّا أصل كون مدلول الأمر والنهي هو الاعتبار بغضّ النظر عن أنّ متعلّق الاعتبار هل هو الترك أو الحرمان من الفعل، فهذا منسجم أيضاً مع مسلك كون الدلالة التصديقيّة مدلولا وضعيّاً للكلام. وقد مضى في محلّه توضيح أنّ المدلول الوضعيّ للأمر والنهي ليس هو الاعتبار وإن كان قد يُستظهر الاعتبار بدلالة سياقيّة وحاليّة. وهناك بعض الشواهد على ذلك، من قبيل: أنّ فكرة الاعتبار فكرة معقّدة لا تنسجم مع الدلالة الوضعيّة للأمر والنهي التي هي أبسط وأوضح تصوّراً بكثير من ذلك، وأنّ صيغة الأمر كما تصدر من العالي إلى الداني كذلك تصدر من الداني إلى العالي، فنحن نقول: (يا ربّنا اغفر لنا)، في حين أنّه لا يخطر ببالنا افتراض جعل شيء في ذمّة الله تعالى أو اعتباره فيها، فغاية الأمر أنّ الاعتبار وجعل الشيء في ذمّة المأمور به قد يستكشف من سياق وظهور حال ومناسبات، لا أنّ ذلك داخل في المدلول اللغويّ للأمر والنهي.