المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

282

وهذا الإيراد يوجد ضعفٌ في منهجته وصياغته(1). وتوضيح ذلك: أنّ من يفسّر الوجوب التخييريّ بالتفسير الذي عرفت فهو في الحقيقة يفسّر ويحلّل المعنى الارتكازيّ العقلائيّ لذلك، حيث لا إشكال في عقلائيّة الوجوب التخييريّ ووجوده عند العرف والعقلاء وارتكازيّة معنى له، فلو كان هذا التفسير مطابقاً لذاك الارتكاز وجب إخضاع ظاهر الدليل له بقرينيّة هذا الارتكاز، ولو لم يكن مطابقاً له، إذن كان هذا هو الردّ على هذا التفسير وهو الردّ الصحيح.

وتوضيحه: أنّه إن فُرض كون عنوان اختيار المكلّف مأخوذاً بنحو المعرّفيّة، أي: إنّ الواجب هو واقع ما يختاره المكلّف، كان هذا معناه أنّ غرض المولى يكمن في ذلك الفعل المعيّن، وليست نسبته إلى كلّ هذه الأفعال والمكلّفين على حدٍّ سواء، بينما هذا خلاف الارتكاز الحاكم بكون غرض المولى نسبته إلى كلّ هذه الأفعال والمكلّفين على حدٍّ سواء.

وإن فُرض كونه مأخوذاً بنحو الموضوعيّة ففي الحقيقة هذا العنوان عنوان انتزاعيّ يختلف انطباقه في الخارج باختلاف المكلّفين، واختيار كلّ واحد منهم غير ما اختاره الآخر. وإذا صار القرار على تصوير العنوان الانتزاعيّ وافتراضه هو متعلّق الحكم، إذن فهناك عنوانٌ انتزاعيّ أقرب، وهو ما سوف يأتي بيانه من عنوان أحدها بلا حاجة إلى توسيط اختيار المكلّف في البين(2).


(1) ولو أبقيناه على صياغته فقد يقول من يوجّه الواجب التخييريّ بهذا التوجيه: إنّه حتّى لو كان خلاف ظاهر الدليل ابتداءً لابدّ من المصير إليه، لو لم يمكن توجيه الواجب التخييريّ بشكل آخر. أو يقول: بأنّ هذا الظهور بما أنّه لا ينتهي إلى تنجيز وتعذير لا حجّيّة فيه.

(2) على أنّنا نحسّ بالوجدان في الواجبات التخييريّة العقلائيّة أنّه كثيراً مّا يتّفق أنّ هذا المولى العرفيّ أو أيّ إنسان طلب أحد الاُمور على سبيل التخيير، لا يكون اختيار المكلّف ـ بأيّ معنى من المعاني ـ دخيلا في مقصوده وموضوعاً مؤثّراً في طلبه.