المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

281

فكلا هذين الإيرادين يمكن دفعهما بإرادة الاختيار بنحو القضيّة الشرطيّة، أي: اختيار أحد الأفعال على تقدير إرادته لعدم ترك الجميع. أو بتعبير آخر: يقصد بالاختيار كون أحد هذه الأفعال أقرب إلى ميله وظروفه من باقي الأفعال، ولو فرض أنّه بالفعل قد ترك الجميع.

نعم، لو فُرض كون الترجيح بلا مرجّح في الاختياريّات ـ كطريقي الهارب ورغيفي الجائع ـ ممكناً وواقعاً، إذن ففي فرض كون هذا العاصي نسبته ونسبة ظروفه إلى كلّ الأفعال على حدٍّ سواء، لم يُعقل تعيين متعلّق الوجوب فيما يختاره على تقدير إرادته لأحدها، أو فيما هو أقرب إلى ميله وظروفه؛ إذ ليس في الواقع تعيّنٌ من هذا القبيل، فيبطل هذا الجواب.

إلاّ أنّ الصحيح أنّ هذا الفرض إن كان ممكناً فهو ليس فرضاً عمليّاً يقع في الخارج، وهذا كاف في رفع الإشكال.

الإيراد الرابع: أنّ هذا خلاف ظاهر الدليل؛ فإنّ ظاهر دليل الوجوب التخييريّ كون نسبة الوجوب إلى جميع الأفعال على حدٍّ سواء(1)، وعدم كونه ألصق ببعضها دون بعض. بينما هذا الوجه يفترض تعلّق الوجوب بما سوف يختاره المكلّف، فهو أقرب إلى ذاك الفعل الذي سوف يختاره وليست نسبته إلى كلّ الأفعال على حدٍّ سواء.


(1) لو كان الاختيار مأخوذاً على نحو الموضوعيّة كانت نسبة الوجوب إلى جميع الأفعال على حدٍّ سواء، فلا يرد هذا الإشكال. ولعلّ المقصود هو أنّ ظاهر الدليل هو كون نسبة الوجوب إلى الكلّ حتّى بعد اختيار المكلّف على حدٍّ سواء، أو قل: إنّ ظاهر الدليل هو أنّ ما يختاره المكلّف هو مصداقٌ لما كان واجباً، أيّ: إنّ الاختيار وقع على مصداق الواجب، فلابدّ من تعيين الواجب في المرتبة السابقة على الاختيار. أو قل: إنّ ظاهر الدليل هو أنّ ما يختاره هو مصداق الواجب لا الواجب بعينه، وهذا التعبير الأخير هو المطابق لما في تقرير الفيّاض، ولكن ما قبل الأخير أدقّ وأعمق.