المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

280

أقول: إنّ هذين الإيرادين متهافتان في طريقة فهم هذه النظريّة؛ وذلك لأنّ عنوان ما يختاره المكلّف إن اُخذ بنحو الموضوعيّة لم يكن مجال للإيراد الأوّل؛ إذ الكلّ يشتركون في الحكم، وهو وجوب ما يختارونه وإن اختلفوا في مصداق ذلك، نظير اشتراك الكلّ في وجوب الوفاء بالنذر أو وجوب العمل بأمر الوالد ـ مثلا ـ وإن اختلف المنذور أو المأمور به باختلاف الأشخاص.

وإن اُخذ بنحو المعرّفيّة إلى واقع ما يختارونه لم يكن مجالٌ للإيراد الثاني؛ إذ لم يؤخذ في موضوع الحكم عنوان الاختيار والفعل حتّى يكون بمثابة تحصيل الحاصل، بل قد اُمر بعضٌ بالعتق بعنوانه، وبعضٌ بالصوم بعنوانه، وبعضٌ بالإطعام بعنوانه مثلا.

الإيراد الثالث: أنّه لو عصى فلم يأت بشيء من الاُمور المخيّر بينها فهل الحكم قد توجّه إليه أو لا؟ فإن قيل: لا، لزم أن يكون هذا الحكم غير قابل للعصيان، والحكم الذي لا يقبل العصيان غير معقول. وإن قيل: نعم، لزم توجّه الحكم إليه بلا موضوع؛ فإنّ موضوعه ما يختاره وهو لم يختر شيئاً.

أقول: إنّ هذا الإيراد إنّما يرد لو قُصد باختيار المكلّف لأحد الأطراف اختياره بالفعل، فالعاصي بما أنّه لم يختر بالفعل أحد الأطراف يلزم أن لا يجب عليه شيء. أمّا لو اُريد من ذلك اختياره بنحو القضيّة الشرطيّة، بمعنى أنّه لو اضطرّ إلى عدم الخروج من دائرة هذه الأفعال العديدة أو أراد ذلك، فأيّ واحد منها كان يختاره فذاك هو الواجب عليه الآن، فهذه القضيّة الشرطيّة ثابتة حتّى في فرض العصيان، فلا مجال لهذا الإشكال؛ فإنّ العاصي أيضاً لو كان يريد الإتيان ببعض هذه الأفعال ـ ولو لاضطرار خارجيّ ـ لكان يختار أحدها، فذاك هو الواجب عليه.

وبهذا يظهر جوابٌ على الإيراد الثاني أيضاً، فإنّه لو قصد الاختيار على نحو القضيّة الشرطيّة بالنحو الذي ذكرناه لم يلزم طلب الحاصل؛ إذ لم يفرض الحصول الفعليّ.