المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

268

بالنسخ، لكنّ الالتزاميّة تبقى حجّة بناءً على ما ذهب إليه المشهور ومدرسة صاحب الكفاية من عدم التبعيّة.

وقد يخطر على البال إشكالٌ على ذلك، وهو: أنّ دليل وجوب الصدقة كما كان يدلّ بالالتزام على عدم الحرمة، كذلك كان يدلّ بالالتزام على عدم الاستحباب، وعلى عدم الكراهة، وعلى عدم الإباحة بالمعنى الأخصّ، وبعد نسخ الوجوب نعلم بانتقاض أحد الأعدام، فيقع التعارض بين الدلالات الالتزاميّة الأربع.

ويمكن الجواب على ذلك: بأنّ الإباحة بالمعنى الأخصّ ليست في الحقيقة إلاّ مجموع سلوب الأحكام الاقتضائيّة الأربعة، وليست أمراً وجوديّاً في مقابل تلك السلوب، فنفي الإباحة معناه نقيض مجموع هذه السلوب وهو إثبات واحد منها. ودليل الوجوب بالمطابقة يدلّ على ذلك؛ فإنّه يدلّ على الوجوب الذي هو واحد منها. وبتعبير آخر: أنّ الإباحة بالمعنى الأخصّ معنى مركّب من أربعة أعدام، ثلاثة منها لا ينفيها دليل الوجوب بل يثبتها، فلا يبقى إلاّ عدمٌ واحد وهو عدم الوجوب، وقد نفاه بالمطابقة لا بالالتزام، وقد سقطت الدلالة المطابقيّة عن الحجّيّة.

والمقصود: أنّه لا علم إجماليّ لنا ـ عند نسخ الوجوب ـ بجعل المولى لحكم وجوديٍّ مردّد بين الأحكام الأربعة؛ إذ من المحتمل أنّه اكتفى بعدم جعل حكم اقتضائيّ الذي نتيجته نتيجة جعل حكم وجوديّ باسم الإباحة، فإنّ المهمّ إنّما هو عدم جعل حكم اقتضائيّ من دون فرق بين جعل حكم وجوديّ وعدمه. فإذا رجعت الإباحة بالمعنى الأخصّ إلى مجموع أعدام الأحكام الاقتضائيّة الأربعة أمكن إثبات ذلك بمجموع دليل الناسخ ودليل المنسوخ؛ لأنّ ثلاثةً من هذه الأعدام قد ثبتت بالدلالة الالتزاميّة للمنسوخ، وهي عدم الحرمة وعدم الاستحباب وعدم الإباحة، وواحداً منها قد ثبت بدليل الناسخ، وهو عدم الوجوب.