المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

238

الوجه الثالث: أنّه لو تنزّلنا وفرضنا أنّ القدرة في الحجّ أيضاً شرعيّة، قلنا: إنّه قد مضى أنّ القدرة الشرعيّة لها معنيان: أحدهما عدم الانشغال بواجب آخر. والثاني عدم المانع بالمعنى الذي ينتفي بمجرّد وجود الخطاب الآخر بالضدّ حتّى لو لم ينشغل به.

والقدرة المأخوذة في الحجّ ـ بعد التسليم ـ إنّما هي القدرة بالمعنى الأوّل، فإنّه مع عدم الانشغال بواجب آخر لا ريب في صدق عنوان الاستطاعة، بينما القدرة المأخوذة في النذر هي القدرة بالمعنى الثاني، حيث قال: «شرط الله قبل شرطكم»، فمجرّد وجود شرط الله المنافي لشرط العبد يمنع عن تحقّق شرط العبد(1). وقد مضى أنّ المشروط بالقدرة الشرعيّة بالمعنى الأوّل مقدّم على المشروط بالقدرة الشرعيّة بالمعنى الثاني.

الوجه الرابع: أنّنا لو تنزّلنا أيضاً وفرضنا القدرة الشرعيّة في الحجّ بالمعنى الثاني كما في النذر، قلنا: إنّ القدرة المأخوذة في الحجّ إنّما هي بمعنى عدم وجود خطاب بالمزاحم بالفعل؛ فإنّ كلّ عنوان مأخوذ في الدليل يكون الأصل فيه حمله على الفعليّة. وأمّا القدرة المأخوذة في النذر فهي بمعنى عدم المانع اللولائيّ، لا المانع الفعليّ ـ أي: عدم وجود الخطاب بالمزاحم بغضّ النظر عن هذا


(1) ومن هنا يفتى بأنّه لو نذر زيارة عرفة ـ مثلا ـ للحسين(عليه السلام)، ثمّ استطاع للحجّ بطل نذره، فحتّى ولو ترك الحجّ عصياناً لم يجب عليه الوفاء بنذره.

إلاّ أنّ هذا عندي مشكل؛ فإنّ المتيقّن من مثل: «شرط الله قبل شرطكم»، ليس أكثر من أنّ قبليّة شرط الله أوجبت على الإنسان تقديمه على شرط نفسه المزاحم لشرط الله. أمّا لو عصى ولم يعمل بشرط الله فإنّ عدم وجود المزاحم الذي أوجبه على نفسه ـ بشرط أو نذر أو نحو ذلك ـ غير واضح من هذا النصّ.