المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

159

الواجب، ولو فُرض ذاك الواجب الآخر قدرته شرعيّة مثلا، وهذا لا يكون إلاّ بفرض القدرة في هذا الواجب شرعيّة.

فإذا اتّضح أنّ القدرة في هذا الواجب شرعيّة، جئنا إلى الواجب الآخر المزاحم لهذا الواجب وقلنا: إنّ القدرة في ذاك الواجب الآخر ـ بالقياس إلى هذا الواجب ـ عقليّة حتماً؛ وذلك لأنّ إطلاق دليل ذاك الواجب يشمل فرض الانشغال بهذا الواجب، فحتّى مع الانشغال بهذا الواجب يكون ذاك الواجب ثابتاً بملاكه ووجوبه، في حين أنّه مع الانشغال بذاك الواجب يرتفع هذا الواجب بوجوبه وملاكه، فلا محالة يتقدّم ذاك على هذا.

أمّا النكتة في شمول إطلاق دليل ذاك الواجب لفرض الانشغال بهذا الواجب، فهي: أنّ ما مضى من القيد اللبّيّ في واجب، وهو عدم الانشغال بواجب أهمّ أو مساو (إذ معه لا معنى لإيجابه عليه ضمّاً إلى ذاك، ولا بدلا عنه؛ لأنّ الأوّل غير


أيضاً عقليّة؛ إذ لو كانت شرعيّة مع كون القدرة في الواجب الذي اُخذت في لسان دليله عقليّة، لكان هذا رافعاً بامتثاله موضوع ما كانت قدرته شرعيّة، دون العكس. فلا يبقى معنى لأخذ قيد عدم الانشغال بالواجب المزاحم في لسان دليله، وقد فُرض أخذه فيه.

وعليه فنحن نعلم إجمالاً بأنّه إمّا أنّ القدرة في كليهما عقليّة، أو فيما لم تؤخذ في لسان دليله عقليّة، وفيما اُخذت في لسان دليله شرعيّة. وعلى الثاني يتقدّم ما لم تؤخذ القدرة في لسان دليله على ما اُخذت القدرة فيه، بنكتة عقليّة القدرة في الأوّل، وشرعيّتها في الثاني. وعلى الأوّل يتقدّم أيضاً ما لم تؤخذ القدرة في لسان دليله بنكتة احتمال الأهمّيّة؛ لأنّهما بعد فرض القدرة فيهما عقليّتين، لا يمكن أن يقيّد الثاني بعدم الانشغال بالأوّل، إلاّ إذا لم يكن الثاني أهمّ، فلا يبقى إلاّ احتمال أن يكونا متساويين أو يكون الأوّل أهمّ.