المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

139

ولو اقتصرنا على هذا المقدار من التقريب لأمكن الإيراد عليه: بأنّ الدليل اللبّيّ الدالّ على اشتراط القدرة ـ وهو قبح تكليف العاجز مثلا ـ لم يدلّ على اشتراط أكثر من القدرة على الجامع، بمعنى القدرة على الواجب ولو بدلا عن أضداده، ولا تشترط القدرة عليه تعييناً. ولذا يكفي في صحّة إيجاب ما له أضداد غير واجبة، أن يكون المكلّف قادراً على ذلك الواجب بدلا عن باقي الأضداد، لا تعييناً، والقدرة على الجامع بهذا المعنى موجودة حدوثاً بالقياس إلى كلّ واحد منهما، فلا يرجع الأمر إلى اشتراط الحكم بترك الآخر، فيكون مفاد الدليلين أوسع من الحكمين المترتّبين، فعاد التنافي بين الجعلين.

التقريب الثالث: أنّ المخصّص اللبّيّ العامّ كما قيّد الأحكام بالقدرة التكوينيّة في مقابل العجز التكوينيّ، كذلك قيّدها بشيء آخر، ولنسمّه بالقدرة الشرعيّة. ففي التقريبين السابقين كنّا ننظر إلى القدرة التكوينيّة، فتارة قلنا: إنّ القدرة التكوينيّة على أحدهما تزول بالانشغال بالآخر. واُخرى قلنا: إنّها لم تتعلّق حدوثاً بأزيد من الجامع. وقد عرفت أنّ كلا التقريبين لا ينتج المقصود، والآن نقول:

إنّ هنا تخصيصاً لبّيّاً آخر على عموم الأحكام، وهو التخصيص بما نسمّيه بالقدرة الشرعيّة، ونقصد بها هنا: عدم انشغال المكلّف بالضدّ الأهمّ أو المساوي. وبتعبير جامع: عدم انشغاله بضدٍّ لا يقل أهمّيّة عن هذا الواجب.

والبرهان على هذا التقييد هو: أنّه لو فُرض أنّ المولى كان يهدف من إيجاب هذا الواجب على عبده ـ بالرغم من فرض انشغاله بما لا يقلّ أهمّيّة عنه ـ أن يأتي العبد بهذا الواجب منضمّاً إلى ذلك الفعل الآخر، فهذا غير مقدور للعبد. وإن كان يهدف أن ينصرف العبد من ذلك الفعل الآخر إلى هذا الواجب، فهذا خلف كون ذاك الفعل الآخر لا يقلّ أهمّيّة عن هذا الواجب.

فإذا ثبت بهذا البيان أنّ كلّ واحد من التكليفين مقيّد في نفسه بفرض عدم