المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

138

لفراغنا عن إمكان الترتّب، فلا يبقى تناف بين الحكمين؟

والصحيح هو: عدم وجود تناف بينهما، فلا يرجع التزاحم إلى التعارض، ونبيّن ذلك أوّلا بتقريب بدائيّ، ثمّ نورد عليه إشكالا، ثمّ نعمّق التقريب بالصعود إلى تقريب آخر، إلى أن يثبت المقصود بالبيان المعمّق. فنقول:

التقريب الأوّل: ما ذكرته مدرسة المحقّق النائينيّ(رحمه الله) من أنّ كلّ إلزام شرعيّ مشروط لا محالة بالقدرة، ومن الواضح أنّ القدرة على أحد الفعلين تنتفي بالفعل الآخر؛ إذ المكلّف غير قادر على الجمع بينهما، ففي أيّ منهما يصرف قدرته يصبح عاجزاً عن الآخر، وبذلك ينتفي شرط الآخر، فيكون امتثال كلّ منهما نافياً لموضوع الآخر. فكأنّ اشتراط التكليف بالقدرة يرجع ـ بحسب التطبيق ـ إلى الاشتراط بعدم الإتيان بالآخر، فلم يصبح مفاد الدليلين أوسع من الحكمين المترتّبين، وقد فرضنا إمكان الترتّب، فلا يبقى بينهما تناف.

ولو اقتصرنا على هذا المقدار من التقريب لأمكن الإيراد على ذلك: بأنّ القدرة التي هي شرط عقليّ في الإلزام إنّما هي القدرة حدوثاً، لا القدرة حدوثاً وبقاءً في مقابل التعجيز الاختياريّ، وإلاّ لأمكن الفرار من الواجب بالانشغال بضدّه، ولو لم يكن ضدّه واجباً أصلا. والقدرة الابتدائيّة موجودة في الأمرين، فلا ينتفي موضوع أحدهما بامتثال الآخر. إذن، فالمستفاد من دليل الحكمين يكون أوسع من الحكمين المترتّبين ويقع التعارض بينهما.

التقريب الثاني: أنّنا سلّمنا أنّ التكليف غير مشروط عقلا بأزيد من القدرة حدوثاً، لكنّ القدرة حدوثاً لم تكن إلاّ على الجامع، ولا تتعيّن في أحدهما إلاّ بترك الآخر، فرجع الأمر ـ مرّة اُخرى بحسب التطبيق ـ إلى اشتراط التكليف بترك الآخر، فلم يصبح مفاد الدليلين أوسع من الخطابين المترتّبين، فلا تنافي بين الجعلين.